خافوا على الحب أن ينحسر فأدخلوه المعمل وأخضعوه للتحليل. هذا بالضبط ما فعله علماء قضوا جانبا من حياتهم يدرسون الحب ويتتبعونه حتى جاء يوم اكتشفوا فيه أن حالته تتدهور. تضاربت التفسيرات وتراوحت بين العولمة وطغيان المادة والفردية المفرطة واللامبالاة من ناحية وبين ثقافة الشبكة الإلكترونية والهاتف المحمول وضيق الوقت وقصر النفس من ناحية أخرى.
اثنان من هؤلاء العلماء المنشغلين بالحب يعملان فى مركز يوهيرو UEHIRO لدراسة «أخلاقيات العلم» قررا وضع الحب تحت الميكروسكوب وتشريحه بهدف فصل مكوناته عن بعضها البعض لدراسة كل منها على حدة، والتعرف من خلال هذه الدراسة على دور كل مكون فى صنع هذه العلاقة «التاريخية» بين الرجل والمرأة وفى تأجيجها وتبريدها. وبعد فترة غير قصيرة من العمل الدءوب نجح العالمان انديرز ساندبيرج وجوليان سافوليشكو فى تحقيق غرضهما وتمكنا من التعرف على ثلاثة مكونات أو أجزاء أو مراحل فى «الحب» هى:
(1) الشهوة وعرفاها بأنها البحث لإقامة ارتباط جنسى مع شريك.
(2) الانجذاب وهو اختيار شريك وتفضيله عن شريك آخر.
(3) الارتباط وهو الرغبة فى العيش طويلا مع شريك بعينه.
وبعد فصل المكونات عن بعضها انتقل العالمان إلى التركيز على دراسة كل مكون من مكونات الحب على حدة، لتحديد طبيعة دوره فى العلاقة ككل والمؤثرات التى تنشطه، والمؤثرات التى تضعفه، واكتشف العالمان أن كل مكون من مكونات الحب، وهو أيضا مرحلة فى مسيرة الحب، متصل بعمليات وأنشطة تحدث فى مخ الإنسان، يتكاسل إذا تكاسلت خلايا الجزء من المخ المتخصص فى نشاط هذا المكون من مكونات الحب، وينشط إذا نشطت. وعندما أمكن التعرف على الأجزاء فى المخ المتصلة بمكونات الحب وطبيعة النشاط الذى تقدم به، أصبح ممكنا وصف الدواء المناسب لتنشيط مكون إذا تكاسل وتهدئته إذا أفرط فى النشاط.
بالنسبة للمكون الأول، وهو الشهوة، أدرك الباحثان أنه يمكن تنشيطها إذا تكاسلت باستخدام وهرمون تيستوستيرون Testosterone، وأدركوا بالنسبة للمكون الثالث، وهو الارتباط، أن تنشيطه يعتمد على وهرمون انيتاكتوجين Entactogen، وما زال البحث جاريا عن الهرمون الضرورى لتنشيط الانجذاب، وإن كان كثير من العلماء يعتقدون أن الشعور بالثقة تجاه شخص أو الاطمئنان إليه شرط ضرورى للانجذاب إليه. إن صح هذا الاعتقاد يصبح منطقيا، وسليما من الناحية العلمية، النصح باستخدام وهرمون أوكسيتوسين Oxytocin، لأنه الهرمون الذى يشجع الإنسان على الشعور بالثقة فى شخص أو شىء أو فى الاثنين معا. المعروف أن المخ يمتص هذا الهرمون عن طرق كثيرة مثل الرش قرب الأنف. وكان علماء وخبراء تسويق وإدارة أعمال قد نصحوا باستخدامه فى صالات العمل ومحال البيع ومنابر الإنتاج. وأعجبت الفكرة أحد علماء السياسة إلى حد أنه نصح الناشطين فى الأحزاب السياسية ببث الهرمون فى لجان الانتخابات والمؤتمرات الحزبية لدعم ثقة الناخبين فى العملية الانتخابية.
ولما كانت الثقة المتبادلة شرطا ضروريا لتوفر مناخ أفضل فى العمل والمدرسة تقدم علماء بالنصيحة لأصحاب العمل برشه فى المكاتب لإقامة علاقات أفضل بين المديرين والموظفين وكذلك بين الموظفين وبعضهم البعض ونصحوا شركات تعمل فى صناعة العطور بخلطه مع مستحضراتهم والدعاية لها بأنها تعزز الثقة بين الأصدقاء، ونصحوا السياسيين بتشجيع تناول الهرمون للحصول على الشىء الذى يفتقدونه معظم الوقت، ألا وهو ثقة الشعب.
****
مهما تأكدت حاجتنا إلى دواء يقيم الثقة بين الناس ويعزز الاطمئنان، تبقى حاجة المحبين إلى هذا الدواء أهم وأكثر إلحاحا، فبالشهوة وحدها، أو بالشهوة والرغبة فى الارتباط وحدهما وفى غياب الثقة، لا تقوم علاقة حب، وإن قامت لن تدوم.