بتاريخ 17 سبتمبر 2010 كتب الصديق د. وحيد عبدالمجيد مقالا متميزا فى جريدة المصرى اليوم تحت عنوان «معارضة تصعب ع الكافر». وفى هذا المقال تناول الكاتب حال المعارضة الحزبية قبيل انتخابات مجلس الشعب وكيف أنها عجزت عن توحيد موقفها من قضية المشاركة أو عدم المشاركة فى تلك الانتخابات، فكان منها من تردد فى المقاطعة، ومن ادعى المقاطعة بينما هو يستعد للمشاركة، ومن قرر المقاطعة والتزم. وعزا ذلك إلى الأحقاد والطموحات الفردية وافتقاد تقاليد الحوار الديمقراطى. اليوم أنظر إلى أداء المعارضة السياسية المصرية قبيل الانتخابات البرلمانية وأقول ما أشبه الليلة بالبارحة.
●●●
أثار الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 25 سبتمبر الماضى ثائرة الأغلبية الساحقة من قوى المعارضة السياسية. وللحق فإن جزءا من تلك المعارضة كان متسقا مع نفسه لأنه رفض هذا الإعلان المكمل كما سبق له أن رفض الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس الماضى ومعه منطق الانتخابات أولا. لكن القطاع الأكبر من تلك المعارضة أيد إعلان مارس ودافع عن حق المجلس العسكرى فى إضافة 54 مادة للمواد التى تم استفتاء الشعب عليها بحكم أن المجلس أصبح يمارس السلطتين التنفيذية والتشريعية. ثم إذا به فور صدور إعلان سبتمبر يؤكد أن المجلس العسكرى لا يملك حق إصدار إعلان دستورى قبل عرضه على الاستفتاء الشعبى. وليلاحظ القارئ الكريم أن هذه الأصوات نفسها كانت قد رفضت إجراء استفتاء على وثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة قبل بضعة أسابيع على أساس أن هذا يطيل مدة الفترة الانتقالية، ولا أزيد.
وبالاضافة إلى الاعتراض على منشأ الإعلان المكمل، كان هناك اعتراض على مضمونه خصوصا فيما يتصل بنقطتين: توزيع المقاعد البرلمانية بين الأحزاب والمستقلين بواقع الثلثين والثلث على التوالى، وحظر ترشح الحزبيين على المقاعد الفردية. وكان من الطريف الاحتجاج بأن نسبة المستقلين تفتح الباب لترشح فلول الحزب الوطنى، وهذا وارد بالطبع لكن وجه الطرافة هو افتراض أن القوائم الحزبية تغلق الباب تماما فى وجه تلك الفلول بينما أننا نعلم أن ثمة فلولا تعرض نفسها على حزب الوفد وعلى أحزاب أخرى، فضلا عن أنها تملك أحزابها الخاصة. ومؤدى هذا أن النظام الانتخابى قد يقلص تسرب المفسدين إلى الساحة البرلمانية، أما ما يمنع هذا التسرب ابتداء فهو الإرادة السياسية والضمير الوطنى. يضاف إلى ما سبق ما صرح به المستشار طارق البشرى لجريدة «الشروق» يوم 29 سبتمبر الماضى بقوله إن الأخذ بنظام الثلثين والثلث قد يعرض البرلمان المقبل للبطلان وصدور أحكام قضائية من المحكمة الدستورية العليا بحله فى المستقبل، فماذا إذن لو تم تشكيل كل البرلمان وفق نظام القائمة النسبية؟ أسوق رأى المستشار البشرى هنا لأنه كما هو معلوم كان رئيس لجنة التعديلات الدستورية.
هذا بالنسبة لمسألة توزيع المقاعد بين الأحزاب والمستقلين، أما بالنسبة لاعتراض القوى الحزبية على عدم السماح بترشح الحزبيين كمستقلين، فهذا الاعتراض هو العجب نفسه. فلعلنا نذكر النقد الحاد الذى كان يوجه للحزب الوطنى عندما كان يقوم بضم أعضائه، الذين ترشحوا كمستقلين، إلى صفوفه بعد فوزهم فى الانتخابات، ولا ننسى كل ما كان يقال عن تزوير إرادة الناخب والتلاعب فى صفة المرشح أمام دائرته، أقول نحن نذكر ولا ننسى لأن الماضى قريب جدا. ومن وجهة نظرى فأنا أرى أنه رغم أهمية ترك مساحة للمستقلين بصفتهم هذه، وعدم إرغامهم على تكوين قوائم مع مرشحين لا يعرفونهم أو لا يوافقونهم فى الاتجاه. ورغم أن المستقلين لهم دور معتبر فى الحياة البرلمانية المصرية قبل ثورة 1952 وبعدها، ورغم تطور عددهم من 19 عضوا فى مجلس الشعب لعام 2005 إلى 68 عضوا فى مجلس 2010. أقول رغم كل هذا إلا أننى أفضل إلغاء مقاعد المستقلين عن تمكين أعضاء الأحزاب من الترشح كمستقلين، ففى هذا التمكين قلة شفافية وتحايل انتخابى وكيل بمكيالين لصالح الأحزاب الكبيرة.
●●●
وعندما اجتمع المجلس العسكرى بممثلى ثلاثة عشر حزبا سياسيا وصدر عن هذا الاجتماع بيان 1 أكتوبر الذى وقع عليه الحضور، بدأ فصل جديد من فصول الأداء الردئ للمعارضة الحزبية ترد عليه ملاحظات كثيرة.
أولا انتقد غير المشاركين فى الاجتماع الأحزاب التى وقعت على البيان واتهمتها بإبرام صفقة مع المجلس العسكرى وخيانة الشعب المصرى، لكنهم فى الوقت نفسه عابوا على المجلس العسكرى دعوة قوى وأحزاب دون أخرى. وهنا يكون السؤال: هل يكمن العيب فى مضمون الصفقة أم أنه يكمن فى عدم المشاركة فى التوصل لتلك الصفقة؟
ثانيا لم تر القوى التى قاطعت الاجتماع أو لم تدع إليه شيئا إيجابيا واحدا فى البيان الصادر عنه. وذهب بعضها إلى مهاجمة هذا البيان لخلوه من النص على قانون السلطة القضائية أو من إلغاء قانون «تجريم الاعتصامات والإضرابات». ومعلوم أن أيا من هذين المطلبين لم يكن مدرجا على قائمة أعمال الاجتماع، كما أن قانون الهيئة القضائية لم يحسم القضاة أمره فكيف يناقشه المجلس العسكرى مع الأحزاب ناهيك عن إصداره؟ هل توجد جوانب نقص فى هذا البيان؟ طبعا ثمة مآخذ ترد عليه من بينها عدم النص فى متنه على مسألة حرمان نخبة النظام السابق من حقوقها السياسية لفترة معلومة، مع الوعد بإصدار مرسوم بقانون يتضمن هذا الحرمان، فيكون السؤال هو: لماذا الحرمان غدا وليس اليوم؟ وهناك المأخذ على النص الخاص بدراسة وقف حالة الطوارئ ليكون السؤال لماذا الدراسة وليس تحديد موعد التنفيذ ولماذا الوقف وليس الإلغاء فيما عدا الجرائم المحددة المتصلة بالبلطجة والترويع وما أشبه؟. لكن فى المحصلة الأخيرة طلبت القوى الحزبية السماح للحزبيين بالترشح كمستقلين ونالت ما طالبت به، وأرادت وقف تحويل المدنيين للمحاكمات العسكرية وتحقق لها ما أرادت، وتمسكت بالقائمة النسبية دون سواها فجاء رأى المستشار البشرى محذرا من بطلان المجلس ولا أظنها كانت تريد تبديد الأصوات والوقت والمال لانتخاب مجلس باطل.
ثالثا نال الاتفاق على وضع مبادئ دستورية استرشادية للجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور، وضوابط لاختيار أعضاء تلك الجمعية نال هذا الاتفاق القسط الأكبر من هجوم القوى الإسلامية عموما والسلفية منها خصوصا. وهذا لا معنى له إلا أن تلك القوى لا تقبل بغير الاستفراد بوضع الدستور مستغلة خلط الدين بالسياسة. لأنه إذا كانت حجة تلك القوى من قبل هى رفض وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور على أساس أنها ستكون ملزمة للجمعية التأسيسية ومقيدة لإرادتها، فها هم ممثلو «الشعب» يقبلون الالتزام الأخلاقى الشرفى المحض بوضع مبادئ استرشادية للجمعية التأسيسية. ومع ذلك يرفض الرافض. شخصيا كنت أسأل ما هى ضمانات احترام المبادئ الدستورية وضوابط اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية فى ظل الفوضى الحالية وإهدار أحكام القانون. ثم إذا بى أفاجأ بأن هناك من يرفض مجرد الالتزام الأخلاقى أمام ناخبيه. فهل بعد هذا الشطط من مزيد.
رابعا كشفت التطورات التى تلت إعلان البيان عن عمق تفكك تلك الأحزاب والائتلافات القائمة. فقد طعنت أحزاب العدل والجبهة والنور والناصرى والحرية والعدالة فى توقيعات ممثليها على البيان، واضطر عضو المكتب السياسى لحزب العدل إلى سحب توقيعه وتم تحويله هو ورئيس حزب الجبهة للتحقيق، علما بأن رئيس الحزب الناصرى قد يتعرض للموقف نفسه. وقبل ذلك بأيام قليلة ظل المتابعون للتحالف بين حزبى الوفد والحرية والعدالة فى حيرة من أمرهم، هل انفض التحالف أم لم ينفض إزاء تضارب التصريحات التى أكدت الأمرين معا ثم تبين لاحقا أن النبأ صحيح بل وأن حزب الوفد يفكر فى التحالف مع أحزاب الكتلة المصرية. وخرج علينا البعض لمواجهة تعدد أطراف التحالف الديمقراطى من أجل مصر باختراع انتخابى يزيد من تعقيد الصورة وهو تصميم عدة قوائم فى إطار هذا التحالف بحيث تتنافس فيما بينها رغم أن الأصل أن تحالفا واحدا يظللها. وهنا نسأل: ألا يشبه ذلك ترشيح الحزب الوطنى عدة أعضاء للتنافس على مقعد واحد فى انتخابات 2010؟ وكيف للمعارضة السياسية أن تضغط على المجلس إن كانت على هذا الحال من الاهتراء الداخلى؟
●●●
فى جمعة استرداد الثورة كانت لافتات الدعاية الانتخابية لمرشح الرئاسة حازم أبو اسماعيل مزروعة فى كل مكان، وكانت هناك منصات خمسة لقوى المعارضة التى يفترض أن مطالبها كانت واحدة، وكان صوت بعضها أعلى من الآخر إلى حد اضطر أحدها لإغلاق الميكروفون الخاص به، وأمام شاشات التليفزيون كانت هناك قوى وأحزاب تراقب وتنتظر كما ينتظر القط خروج الفأر من أى جحر لينقض عليه كما قال بمنتهى البراعة والتلقائية مشاهد استضافته إحدى القنوات الفضائية. يطالعنى هذا المشهد بكل تشابكاته فيتملكنى القلق على مستقبل مصر ولا أرى مخرجا إلا بسمو القوى الحزبية على مصالحها الشخصية وتماسك بناها الداخلية وتفاعلها الصحى مع بعضها البعض بحيث يكون تاريخ 25 يناير حدا فاصلا بين عهدين وليس امتدادا لممارسات نظام ولى وباد.