رغم أن خبر الصفحة الرئيسى جاء عن فوز علماء الولايات المتحدة بجائزة نوبل هذا العام لأبحاث الساعة البيولوجية فإننى لم أستطع مقاومة الرغبة فى أن أكتب عن الحدث بالتفصيل مرة أخرى فى ذات الصفحة لسبب شخصى.
أردت أولا أن أسجل الخبر لمن لم يتسع وقته لقراءة عمودى الأسبوعى، أما السبب الأهم فقد كان للرد على ما كتبته فى الأسبوع الماضى تفسيرا للآية «إنما يخشى الله من عباده العلماء» صدق الله العظيم.
لم يكتف علماء نوبل الثلاثة جيفرى هول ومايكل روز باسن ومايكل يونج بعزل الجين المتحكم فى الساعة البيولوجية للإنسان إنما وصفوا طريقة عمله بدقة مذهلة.
لا أبالغ على وجه الاطلاق إذا ذكرت أننى كنت أشعر بتحفز كل خلايا عقلى التى استنفرها الخبر فوصل وقعد إلى الشارد منها قبل الحاضر وأنا أترجم تفاصيل الخبر عن الإنجليزية للعربية فقد كان فى الخبر رد أكيد على تساؤلاتى فى الأسبوع الماضى وهل بالفعل تشهد أيامنا موقفا للعلم مناهضا للأخلاق.
الساعة البيولوجية نظام محكم دقيق يتعرف به جسد الإنسان على ضوء النهار وعتمة الليل، الأمر الذى فيه يختلف تماما طريقة أداء الوظائف الفسيولوجية التى تضمن بقاء الإنسان على قيد الحياة فى صحة أو مرض. يغفو الإنسان فلا تتوقف أعضاؤه الداخلية عن العمل كما يمكن أن تتصور إنما فقط ينخفض مستوى حرق الطاقة وتنحسر درجة حرارة الجسم قليلا ويبدأ الجسم فى عمليات بيولوجية عديدة معقدة للبحث عن وحدات الطاقة الحرارية التى تم هضمها كطعام وامتصاصها أو تبحث عن عمليات التمثيل الغذائى المختلفة ليدخرها طاقة مجمدة وأرصدة قابلة للصرف فى أى وقت لاحق يحتاج الجسم فيه إلى طاقة.
استخدام العلماء الثلاثة ذبابة الفاكهة نموذجا بيولوجيا عزلوا منها الموروث الجينى الذى يتحكم فى تلك العملية البيولوجية المعمرة.
توصلوا إلى أن هذا الجين يراكم أثناء النهار نوعا من البروتين فى خلايا جسم الإنسان ويعمل على تفكيكه أثناء الليل، وفى خطوات علمية تجريبية لاحقة توصل العلماء لمعرفة أنواع أخرى من البروتينات تتداخل لتستكمل حلقات المنظومة التى منها تتألف وقائع الساعة البيولوجية.
الأمر بلا شك ليس بتلك البساطة إنما هو جهد هائل دءوب بدأ فى سبعينيات هذا القرن حتى بدأ يتبلور مع مطلع عام ١٩٨٤ حينما تم عزل هذا الجين وأسموه «بيرود» بمعنى الزمن «Period» وأطلقوا اسم «بير» على البروتين الذى يضعه والذى يعد المحرك الأساسى لحركة تلك المنظومة البيولوجية المعجزة.
توالت الجهود العلمية لكشف سر استدامة تلك الساعة البيولوجية طوال حياة الإنسان على مدى صباحاته ولياليه. أكد العلم أن هناك اتصالا دائما بين الجين الموجود داخل نواة الخلية «حمض دى إن إيه» بيرود والبروتين الذى يتراكم صباحا ويتفكك ليلا. وأن هذا الاتصال يتمثل فى المكون الجينى المسئول عن حركة التنقل بين الجين والبروتين والذى أطلقوا عليه اسم تايملس «timless» بمعنى الذى لا زمن له.
إحدى معجزات الخلق والخالق يقف الإنسان أمامها ذاهلا مذهولا تملأ نفسه الرهبة ويتصدع كيانه من خشية الله.
العلم بلا شك هنا يرفع الحجب عن إحدى وقائع معجزة الخلق التى تبدو كالسهل الممتنع، فهل فكر أحدنا من قبل فى تلك العلاقة بين تعاقب الليل والنهار وبين ما يحدث فى جسد الإنسان ما دون إرادة منه أو حتى علم؟
«لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين».