إذا كانت الجامعة العربية لم تستطع فى الماضى منع توقيع معاهدات السلام بين مصر والأردن وبين الكيان الصهيونى، وذلك من خلال عرض الأمر، على الأقل، على مجلس الجامعة وإشراكه فى وضع الشروط والحدود والخطوط الحمر قبل توقيع الاتفاقيتين، بدلا من ترك ذلك لإدارة أمريكية منحازة كليا لمصالح وأهداف وممارسات الكيان منذ أول ساعة من إنشائه... وإذا كان مجلس التعاون الخليجى لم يستطع أن يفعل الأمر نفسه مع بعض أعضائه من الذين قرروا التطبيع مع الكيان الصهيونى دون أخذ رأى الآخرين من أعضاء المجلس... وإذا كان مجلس الاتحاد المغاربى لم يمنع حدوث القطيعة المفجعة الحالية فيما بين الجزائر والمغرب العربى وفشله فى عرض النزاع مسبقا على المجلس ومحاولة الاستفادة من كونه وسيطا وحكما أخويا نزيها فيما بين القطرين... وإذا كانت عشرات الفواجع والصدامات البليدة قد حدثت فى العشرين سنة الماضية، ويصعب حتى عدها لكثرتها وتفرعاتها، من مثل السماح لأمريكا بغزو العراق وتدمير مجتمعه، وتسهيل غزو ومحاصرة سوريا من قبل مجانين الجهاد الإسلامى المزعوم، وترك مصير لبنان المالى فى يد غير العرب ليصل إلى حالة الإفلاس والعجز، وعدم التدخل لمنع فاجعة الصراع المجنون فى اليمن، وعدم إسناد مصر والسودان فى مواجهة الصلف الإثيوبى، وغير ذلك كثير... إذا كانت تلك الصورة المفجعة هى التى تحكم المشهد القومى العروبى المشترك فإن ذلك يستدعى طرح سؤال مفصلى على أنفسنا.
السؤال: ما فائدة وجود تلك المؤسسات العربية المشتركة وما الهدف من وجودها؟ هل الهدف خداع النفس والكذب على الشعوب. وممارسة سلوك النفاق المتجذر فى تاريخ سلطات حكم هذه الأمة بالادعاء بالعمل على توحيد هذه الأمة بينما يجرى فى السر تمزيقها وتدمير مستقبلها؟ هل الهدف هو اللعب بالوقت والشعارات البراقة إلى أن تتعب الأجيال العربية المتعاقبة من ممارسة النضال من أجل تحقيق وحدة هذه الأمة والتسليم بمصير استمرارها فى تجزئتها، وبالتالى الرضى بضعفها وعيشها فى هوامش التاريخ الإنسانى؟
من حق الإنسان العربى أن يتساءل عمن يغذى هذا العبث بساحات العمل العربى القومى المشترك، والذى فى مجمله لا يخدم إلا جهتين: أهداف القوى الخارجية الاستعمارية والصهيونية التى لا تريد لهذه الأمة أن تنهض وتقوى وتقف فى وجهيهما من جهة، وبعض القوى الداخلية العربية ومواليها أو القابضين الثمن التى لا ترى فى خطوات توحيد هذه الأمة إلا تهديدا لمصالحها الفئوية الأنانية الضيقة. مع أن هدف الوحدة العربية لم يكن قط سرقة عرش أو إسقاط نظام طالما أنه يتعامل مع الناس بموازين العدل والمشاركة وتساوى المواطنة واحترام الكرامة الإنسانية وكل الفضائل التى تقوم عليها الديموقراطية. ولنا فى التجربة الوحدوية الماليزية خير مثال على صحة ما نقوله بشأن ما هو ممكن تحقيقه فى الواقع العربى مستقبلا.
ليس الهدف هو التخلى عن تلك المؤسسات المشتركة فهذا انتحار يضاف إلى الانتحارات السابقة. إنما الهدف هو طرح هذا السؤال على أنظمة الحكم القطرية العربية: ألا يوجد قطر عربى واحد لديه الشجاعة والالتزام لتقديم مقترحات بشأن تعديل وإعادة كتابة دساتير وأنظمة تلك المؤسسات بحيث لا يحق لأحد أن يأخذ قرارا أو فعلا قد يضر بمصالح الأمة المشتركة دون أن يطرحه للمناقشة على مجالس تلك المؤسسات القومية؟
هذا التلاعب والاستخفاف بكرامة وطموحات ومصالح هذه الأمة آن له أن يتوقف، وآن لقوى المجتمعات المدنية العربية أن تغادر مقعد التفرج وتدلى هى الأخرى بدلوها بصوت عالٍ وبإرادة جماعية مشتركة فى معركة إيقاف العابثين.
مفكر عربى من البحرين