التمريض من المهن الإنسانية التى ينظر إليها العالم بعين التقدير والاحترام. إلى جانب العلم فإن التمريض رسالة تحتاج مواصفات خاصة فيمن يتقدم طواعية للعمل بها فليس أى إنسان قادرا على أن يمنح الرعاية الطبية والنفسية فى آن واحد للمريض الذى يأمل الشفاء من الله بمعاونة طبيب وممرضة.
كانت دائما مهنة التمريض رسالة النبلاء من البشر وأصحاب المهن الذين يتقدمون برغبة حقيقية لتقديم الخدمة لمن يحتاجها فى أناة وصبر وعن عقيدة حب الخير والرغبة فى العطاء. كان أول من اهتم بتمريض المرضى خاصة من لديهم أمراض مزمنة أو من يخشى الناس قربهم خوفا من العدوى هم الرهبان الكاثوليك فى الأديرة والكنائس.
ويظل فى ذاكرتى ذلك المثل الرائع للسيدة رفيدة بنت كعب الأسلمية أول من حملت هذا اللقب الإنسانى فكانت أول ممرضة فى تاريخ الإسلام وكانت تقام لها خيمة تضمد فيها جراح المحاربين وتداوى آلامهم ولعل التاريخ يذكر لها أن عليه الصلاة والسلام أمر بأن ينقل سعد بن معاذ حينما أصيب بسهم قاتل إلى خيمتها للعلاج حتى يعوده بعد انتهائه من مهامه.
أما عن التاريخ القريب فقد بدأ تاريخ التمريض فى إنجلترا إبان ويلات حرب العالم الأولى حيث اجتمعت سيدات المجتمع الراقى على فكرة النزول إلى أرض المعارك بل قطع المسافات الطويلة للوصول إليهم فى مواقع القتال للإشراف على أحوالهم والعمل مع أطباء الميدان فى مداواة جراحهم وإصاباتهم.
ارتبط التمريض دائما بصورة لأم رءوم تحنو على المريض من أبنائها لذا فالحديث عن التمريض يرتبط دائما بتاء التأنيث: ممرضة.
ما الذى يدعونى اليوم للحديث عن التمريض؟ لا أنكر دائما انحيازى لمعهد القلب القومى ولا أرى فى ذلك ما يدعو للنقد فليت كل منا ينحاز لمكان عمله فيوليه من اهتمامه ويعطيه من وقته وتفكيره ما يدعم وظيفته خاصة إذا ما كان هذا العمل فى مؤسسة خدمية حكومية تقدم رعاية أساسية مجانية للمواطن المصرى.
معهد القلب القومى يعانى من أزمة حادة فى التمريض، رغم الولاء النادر الذى تبديه ممرضات معهد القلب لمكان فى قلوبهن يوازى حبهن لبيوتهن إلا أن هناك مشكلات تعوق رغبتهن فى أداء رسالتهن على أكمل وجه.
الأسبوع الماضى ضربت رئيسة العمليات مثلا للتفانى والرغبة فى أداء الواجب فاستحقت عنه احترام وإعجاب جميع الزملاء: تعرضت لحادث سيارة لم يمنعها من الحضور للمساعدة فى عملية قلب مفتوح تحت تأثير مضادات الألم وهى تجلس على كرسى عال يمكنها من أداء وظيفتها بدلا من إلغاء العملية الجراحية وقد كان هذا احتمالا واردا بقوة. ضربت مس «إكرام» رئيسة العمليات مثلا عظيما للرغبة فى أداء الواجب والفهم الواعى لمسئوليتها تجاه مريض ربما لا تعلم اسمه لكنه بالطبع تعرف جديا أن حياته معلقة بموقعها فى منظومة العلاج ودورها المهم فى قائمة عمليات القلب المفتوح فى هذا اليوم الذى يتكرر باستمرار فى غرفة عمليات معهد القلب القومى.
اليوم أصدقائى وقراء الصفحة أتوجه إليكم للتفكير معى بصورة واقعية. ممرضات معهد القلب القومى لا ينقصهن خبرة فى عملهن ولا ولاء للمكان الذى يعملون به ولا رغبة جادة فى خدمة مرضاهن لكنهن بحاجة لزيادة عدد ودعم لمدرسة التمريض ودعم مادى يؤمن لهن حياة كريمة.
هل هناك منا من يملك فكرة تدعم وجود ورسالة التمريض فى معهد القلب القومى؟
أذكركم بفكرة التطوع لدعم عمل ورسالة معهد القلب القومى التى سبق أن طرحتها فى صفحتنا. ولكن زمن الكرب قد يجعل البعض يحجم عن المشاركة الآن.. فهل هناك من يشاركنا الرأى والعمل؟