فى فترة تحول كتلك التى أعقبت الثورة كانت مصر فى حاجة ملحة إلى سوار الذهب المصرى، الجنرل الذى يحمل على عاتقة عبء مرحلة انتقالية محددة المدة والأهداف، تسعى إلى تأسيس ديمقراطية جديدة بعد عقود ديكتاتورية، ووضع دستور جديد، ثم تسليم البلاد للحكم المنتخب على قواعد هذا الدستور.
لا تسألنى عن الانقلاب الذى نفذه العسكر المتحالفون مع الإسلاميين فى السودان لإجهاض ديمقراطيتها، ولا أخطاء القوى السياسية الديمقراطية التى أدت إلى ذلك، لكن تقييم المرحلة الانتقالية السودانية منذ خلع نميرى وحتى تولى حكومة الصادق المهدى المنتخبة السلطة، تقييم جيد جداً.
فى مصر فشل المشير طنطاوى بامتياز أن يكون سوار الذهب المصرى، تولى المسئولية فى لحظة ثورة واسقاط حكم، تعهد بما تعهد به سوار الذهب فى السودان، لكنه خالف الأهداف والتوقيتات، وخرج مطمئناً بعد أن سلم السلطة دون دستور يحكم بين الناس، ويكتبه المصريون فى لحظة توحد قبل أن يحدث بينهم استقطاب أو تتشكل أغلبية انتخابية وأقلية، أو يعرف واضعو الدستور من هو الرئيس أو الحزب أو التيار الذى سيستفيد من مواده.
بدأ الانقسام والاستقطاب من قلب المرحلة الانتقالية بفعل الإدارة المرتبكة للمجلس العسكرى، ونهاية الرؤية التصالحية التى عبر عنها الميدان بعد شهر واحد من التنحى، لكن هذا الانقسام وهذا التمزق فى النسيج الوطنى على الأقل بين شركاء الثورة والميدان، كان يحتاج إلى مانديلا مصرى، يتحرك من منطلق أهداف أعظم وأعلى من أى أيديولوجية أو حزبية تسعى للتمكن والاستحواذ والسيطرة، أو تسعى لإزاحة المنافسين دون منطق.
لكن كما فشل المشير طنطاوى أن يكون سوار الذهب، فشل الرئيس مرسى أن يكون مانديلا، الفوارق كبيرة وواسعة بين الرمز الوطنى الكبير فى جنوب أفريقيا المتوافق عليه، الذى استخدم هذا التوافق واستثمره لإنجاز مصالحة وطنية شاملة فى البلاد أغلقت ملف الماضى سريعاً بكل جراحه وانطلقت تبنى فى نمو تجربتها الديمقراطية والإقتصادية، وبين الرئيس مرسى الذى جاء بأجندة حزبية بامتياز، ومر إلى مقعده الرئاسى فى ظروف إكراه معنوى جعلته خياراً وحيداً أمام أى مصرى لا يريد عودة النظام السابق. لديك رئيس بدلاً من أن يركز على المصالحة والوحدة، فتح الطريق بقراراته وأفعاله إلى مزيد من الانقسام والتفتيت فى التيار الرئيسى المصرى، متهم دائماً أنه رئيس الإخوان وفقط، وتحت هذا الاتهام دلائل كثيرة عن حرصه على الوجود معهم والخطابة لهم، واتخاذ القرارات التى تمنح التنظيم القادم منه مزيداً من التمكين والتأثير.
وضع الرئيس البلاد فى قلب الخطر، شق صف الوحدة الوطنية حتى مع أولئك الذين أيدوا انتخابه وتحالفوا معه ووضعوا أيديهم فى يده مقابل تعهدات معلنة، لكن كل التعهدات ذهبت هباءً تحت تأثير الأجندة الحزبية.
هذا رئيس حزبى لم يحاول أن يخلع هذا الرداء، ولم يحاول أن يتفهم أن بلاده خارجة من ثورة تحتاج إلى أن يشعر كل فصيل فيها أن له فى الرئيس نصيب، لكنه فى قلب الأزمة يقف معانداً دفاعاً عن أجندة حزبية وليس دفاعاً عن مصر، غير مكترث بنتائج ذلك، داعياً مع أنصاره وجماعته وحزبه وأهله وعشيرته الجميع إلى التحلى بصوت العقل، دون أن يترك لنفسه نصيباً من هذه الدعوة.