مر على الشعب المصرى أسبوع كامل من الأفراح.. من متابعة تسلم كأس الأمم إلى الخروج فى الشوارع وتغطيتها ببحر من السعادة والأعلام.. إلى التسمر أمام التليفزيون لمتابعة مكالمة هنا أو لقاء هناك فى أى من برامج الرياضة أو التوك شو يتحدث فيه بطل من أبطال المنتخب.. تخلى الجميع عن النكد والحديث عن الهموم والنفسنة على ملايين محمد إبراهيم سليمان لنستمتع جميعا بقدر من السعادة أصابنا بشكل من أشكال الهستيريا وهو ما أثبت بما لا يدع أى مجال للشك أننا شعب «جعان» فرحة، وجد فرصة سانحة ليفرح يومين من 365 يوما من النكد المركز فاغتنمها ولا يمكن حد يجيله قلب يلوم عليه.
أكيد إنت قريت عشرات المواضيع والمقالات وسمعت عشرات البرامج اللى بتتكلم عن الإنجاز وأسبابه ونتائجه.. من زاوية رياضية تشرح لك الفنيات والخطط.. من زاوية اجتماعية تلقى نظرة على دعم عائلة كل لاعب له.. من زاوية دينية تؤكد لك أن النصر اتحقق بسر الدعاء والسجدة وصوت حسن شحاتة وهو بيهمس: «يا حبيبى يا رسول الله».. من زاوية سياسية تؤكد أن كل ده راجع لليوم اللى قال فيه الريس..إن منتخب مصر كويس وهم بس ماحبوش يكسفوه.. واتكلم ناس كتير عن الروح الجماعية التى سادت الفريق وتسببت فى أن يكون وحدة واحدة همها الوحيد هو الفوز ورفع العلم بعيدا عن الأنانية وعشق الذات ومكافأة المليون جنيه..
خلينى أنا كمان أكلمك عن حكاية «حسن شحاته» و«جدو».. عارفة إنك حفظت قصة حياة «جدو» ولو طلبت منك تسمعلى أسامى أفراد عيلته أو عنوان بيتهم فى حوش عيسى غايبا هتسمعهم من غير ما تبص فى الكتاب.. لكن أكيد لفت نظرك زى ما لفت نظرى إن حكاية «حسن شحاته وجدو» كانت قبل كده حكاية «حسن شحاته وعمرو زكى» وبكره هتكون حكاية «حسن شحاته وحد تالت».. اللاعب الذى لا يقدره أحد والمدرب الذى يؤمن به إيمانا تاما يخليه يصمم يضمه فى المنتخب على حساب نجم كبير زى « أحمد حسام».. وبغض النظر عن أن التجربة أثبتت إن اللى بييجى على «ميدو» دايما ربنا بيكرمه لكن اللى لفت نظرى هنا هى فكرة الإيمان بشخص والوثوق بقدراته واللى بيترتب عليها إن الشخص ده بيموت نفسه تقريبا عشان ما يخذلش الكبير اللى وثق فيه..
كلنا تقريبا بنمر فى حياتنا بمراحل نؤمن فيها إيمان تام إن إحنا فشلة يا إما بسبب مدرس المدرسة اللى دايما يختم عليك بختم «آدى دقنى لو فلحت».. أو بسبب أبوك اللى اسم دلعك عنده «خد يا فاشل».. أو أمك اللى دايما شايفة ابن طنط «مديحة» أشطر منك وإنك غبى غبى غبى.. دكاترتك فى الجامعة اللى دايما بيقنعوك «كبيرها شهادة تتعلق فى الصالون» .. ورؤساءك فى الشغل اللى بيعلموك «يا سيدى على أد فلوسهم».. والاتجاه العام فى البلد اللى بيرضعك مبدأ «مش إنت يعنى اللى هتغير الكون»..
«حسن شحاتة» فهمها.. ويا ريت الباقيين كمان يفهموا.. إن أحسن دافع للمصرى هو الإيمان بيه.. قولى إن أنا أقدر أطلع الأولى ع الفصل..ممكن فى يوم أقدر.. قولى إنى أقدر أخترع حاجة جديدة وممكن فى يوم يحصل.. قوللى إنى أقدر أنضف الشارع من الزبالة أكيد بكره هانضفه.. قولى إن ممكن بكره أغير بلدنا للأحسن.. وليه لأ ؟.. أكيد ممكن.. عايز تقضى ع الفشل والتخاذل والسلبية والفساد.. هاتلهم شخص واثق فى نفسه ومؤمن إيمان تام إنه يقدر يعمل حاجة وإيمانه ده مش هييجى غير منك إنت لما إنت فى الأول تقول له إنك مؤمن بيه..
صحيح الموضوع كله كورة.. لعب فى لعب.. لكن التجربة الناجحة لازم نتأملها ونتعلم منها الكثير.. ومن اللى أنا اتعلمته ونفسى كل الناس تكون اتعلمته.. إن كل حاجة ممكن تتحقق بالجهد والعرق وأى شىء سلبى فى البلد ممكن نهده.. لو كل واحد فينا لقى حد يؤمن بيه زى شحاتة ما آمن بجدو.