المشاهد المروعة لانهيار المبانى فوق ساكنيها وهم نيام فى تركيا وسوريا بفعل الزلزال الذى ضرب البلدين أمس الأول تدمى القلوب.
تخيل أن تذهب لبيتك آمنا مطمئنا بعد يوم عمل شاق، وتدخل غرفة نومك وتطفى الأنوار مهيئا نفسك لنوم عميق تبدأ به يومك التالى، ثم تموت تحت الأنقاض.
الموت حق على الجميع، لكن ما حدث ليلة الأحد وصباح الإثنين فى تركيا وشمال غرب سوريا كان تجسيدا لقوة وغضب الطبيعة.
ثورة التكنولوجيا والاتصالات جعلتنا نتابع وقائع الزلزال وكأننا نعيش هناك، كاميرات تليفزيونية كانت تنقل تطورات الأحداث، وفجأة تجد بناية ضخمة وقد انهارت أمامنا، فيديوهات كثيرة صورها مواطنون أو إعلاميون خصوصا فى ولاية أورفا لمبان ضخمة تنهار فى لمح البصر.
قوة الزلزال فى تركيا بلغت ٧٫٨ درجة على مقياس ريختر و٧٫٧ درجة فى شمال غرب سوريا على الحدود مع تركيا، وهذا الزلزال هو الأشد والأعنف فى تركيا منذ عام ١٩٣٩ إضافة لزلزال عام ١٩٩٩ الذى قتل أكثر من ١٧ ألف شخص. كما يقول المسئولون هناك، لكن أظن أن أحد أسباب ارتفاع عدد الضحايا هو توقيت وقوع الزلزال ما بين الثالثة والرابعة فجرا، حيث إن معظم ــ إن لم يكن كل ــ الناس كانوا نائمين، أو موجودين داخل بيوتهم. وبالتالى قفز عدد الضحايا فى حصيلة أولية غير نهائية لأكثر من ثلاثة الآف قتيل فى تركيا وإصابة ٢٠ ألفا فى حين قتل ١٤٤٤ فى سوريا وأصيب ٣٥٠٠ آخرون على الأقل.
وللمرة الأولى منذ عقود كثيرة فقد وقع زلزالان مختلفان فى نفس اليوم، الأول ليلا وضرب بلدة بازار جيك والثانى نهارا وضرب بلدة البيستان فى ولاية كهرمان مرعش جنوب البلاد، لكن قوتهما التدميرية طالت عشر ولايات فى تركيا ووصلت للعديد من البلدان المجاورة خصوصا لبنان وقبرص وفلسطين ومصر وأرمينيا وجورجيا والعراق. وطبقا للمركز الألمانى لأبحاث علوم الأرض فإن الزلزال التركى وقع على عمق عشرة كيلومترات، واستمر دقيقة كاملة فى ديار بكر وهو وقت طويل فى عالم الزلازل.
الطبيعة لم تكن رحيمة بالسكان، فقد وقع الزلزال فى وقت بلغت درجة الحرارة ما يقرب من الصفر، مما أعاق جهود الإنقاذ إلى حد ما.
نعرف جميعا الأحوال الاقتصادية شديدة الصعوبة التى تواجه تركيا منذ سنوات، وجعلت سعر الليرة ينهار فى مواجهة الدولار، الذى كان يساوى ٤ ليرات حتى ثلاث سنوات مضت، ثم واصل الصعود حتى بلغ ما يقارب ١٩ ليرة فى الأيام الماضية، ونعرف أيضا أن سوريا تواجه حربا أهلية دامية منذ مارس ٢٠١١، تفاقمت بتدخل أجنبى غير مسبوق خصوصا من تركيا وروسيا وأمريكا، وهى الحرب التى أدخلت البلاد فى نفق مظلم تحتاج معه إلى عشرات السنين لتعود كما كانت قبلها.
كل ما سبق نعرفه، لكن حينما وقع الزلزال، وحدت المأساة الجميع، حتى لو كان ذلك لوقت قليل. وفى هذا الصدد رأينا عشرات الدول تسارع للإعلان عن تضامنها مع الشعبين وتعرض تقديم المساعدات العاجلة والطارئة، وكان موقفا منتظرا من مصر أن يكتب الرئيس السيسى معزيا ومتضامنا مع البلدين وأن يسارع وزير الخارجية السفير سامح شكرى للاتصال بوزيرى خارجية سوريا وتركيا ليؤكد لهما تضامن مصر الكامل حكومة وشعبا معهما فى هذه المحنة الصعبة.
فالوقت الآن هو وقت التضامن الإنسانى مع شعبى البلدين بكل الطرق الممكنة، حتى يمكن التخفيف من هذه المأساة. وليس إنسانا من يشمت فى مثل هذا النوع من الكوارث.
خسائر الأرواح لا تقدر بثمن، والخسائر الاقتصادية سيكون وقعها شديدا، فغالبية الضحايا فقدوا أقاربهم وبيوتهم وربما مستقبلهم.
انهيار آلاف المبانى السكنية سيحتاج إلى تمويل ضخم لإعادة بنائها، وهو ما سيلقى بمزيد من العبء على الاقتصاد التركى المأزوم أساسا، أما فى سوريا فالوضع شديد المأساوية، فتداعيات الحرب والصراع دمرت معظم أنحاء البلاد، والزلزال فى منطقة الصراع بين الحكومة والتنظيمات الإرهابية، وبالتالى فأهالى المنطقة العاديين مكتوب عليهم أن يدفعوا ثمن الحرب وثمن الزلزال. وهؤلاء من أكثر الناس الذين يحتاجون إلى التعاطف والتضامن والدعم.
قلوبنا مع الشعبين السورى والتركى فى هذه الأوقات العصبية.