العظمة الأمريكية.. والانحدار - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العظمة الأمريكية.. والانحدار

نشر فى : الأربعاء 7 فبراير 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 فبراير 2024 - 7:55 م

نشر موقع Project Syndicate مقالا لعالم السياسة، جوزيف ناى، يقول فيه إن الشعب الأمريكى له تاريخ طويل من القلق بشأن انحدار بلاده، إلا أن المبالغة فى القلق تدفع إلى اتخاذ سياسات تضر أكثر مما تنفع (حرب العراق مثلا). أوضح ناى أيضا إنه وإذا كان يُستشهد ــ فى وقتنا الحالى ــ بصعود الصين كدليل على الانحدار الأمريكى، إلا أن هذا الانحدار نسبى وليس مطلقا، إذ تتمتع الولايات المتحدة بنقاط قوة عديدة ــ ذاكرا إياها ــ مقارنة بالصين، ومن المرجح أن تظل الأمور على هذا الوضع... نعرض من المقال ما يلى:
فى حين يعتقد أغلب الشعب الأمريكى أن الولايات المتحدة فى انحدار، يزعم دونالد ترامب أنه قادر على «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لكن افتراض ترامب ببساطة غير صحيح، والعلاجات التى يقترحها هى التى تشكل التهديد الأكبر لأمريكا.
يقول كاتب المقال: فى الواقع، إن الأمة الأمريكية لها تاريخ طويل من القلق بشأن الانحدار. فبعد فترة وجيزة من تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس فى القرن السابع عشر، أعرب بعض البيوريتانيين (المتزمتين) عن أسفهم لخسارة فضيلة سابقة. فى القرن الثامن عشر، درس الآباء المؤسسون التاريخ الرومانى عندما فكروا فى كيفية الحفاظ على جمهورية أمريكية جديدة. وفى القرن التاسع عشر، لاحظ تشارلز ديكنز أنه إذا كان لنا أن نصدق الأمريكيين، فإن بلادهم «دوما فى كساد، ودوما فى ركود، ودوما تعيش أزمة مروعة، ولم تكن قَـط فى حال غير ذلك». على غلاف مجلة صادرة عام 1979 تناولت التدهور الوطنى، ظهر تمثال الحرية ودَمـعة تتدحرج على خده.
ويضيف: لكن فى حين انجذب الأمريكيون لفترة طويلة إلى ما أسميه «توهج الماضى الذهبى»، فإن الولايات المتحدة لم تملك قط القوة التى يتخيل كُثر أنها كانت تملكها. وحتى فى ظل الموارد الطاغية، فشلت أمريكا فى كثير من الأحيان فى الحصول على مرادها. ينبغى لأولئك الذين يتصورون أن عالم اليوم أشد تعقيدا واضطرابا مما كان عليه فى الماضى أن يتذكروا عاما مثل 1956، عندما عجزت الولايات المتحدة عن منع القمع السوفييتى للثورة فى المجر؛ وعندما أقدم حلفاؤنا ــ بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ــ على غزو قناة السويس. فى إعادة صياغة للعبارة التى أدلى بها الممثل الكوميدى ويل روجرز: «لم تعد الهيمنة كما كانت ولم تكن كذلك قَـط». الحق أن فترات «الانحدار» تنبئنا عن السيكولوجية الشعبية بأكثر مما تخبرنا به عن السياسة الجغرافية.
• • •
مع ذلك، من الواضح أن فكرة الانحدار تمس وترا حساسا فى السياسة الأمريكية، مما يجعلها موردا يمكن التعويل عليه للسياسة الحزبية. فى بعض الأحيان، يُـفـضى القلق إزاء الانحدار إلى فرض سياسات الحماية التى تضر أكثر مما تنفع. وفى أحيان أخرى، تؤدى فترات الغطرسة إلى سياسات لا تخلو من مُـغالاة مثل حرب العراق. ليس هناك فضيلة فى التقليل أو المبالغة فى تقدير القوة الأمريكية.
يقول ناى: عندما يتعلق الأمر بالعوامل الجيوسياسية، من الأهمية بمكان التمييز بين الانحدار المطلق والنسبى. من الناحية النسبية، كانت أمريكا فى انحدار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولن تتمكن مرة أخرى أبدا من المساهمة بنصف الاقتصاد العالمى واحتكار الأسلحة النووية (التى اقتناها الاتحاد السوفييتى فى عام 1949). لقد عززت الحرب اقتصاد الولايات المتحدة وأضعفت اقتصاد الآخرين جميعا. لكن مع تعافى بقية العالم، هبطت حصة أمريكا فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى إلى الثلث بحلول عام 1970 (وهى ذات حصتها تقريبا عشية الحرب العالمية الثانية).
رأى الرئيس ريتشارد نيكسون فى ذلك علامة على التراجع وأخرج الدولار من معيار الذهب. لكن الدولار يظل متفوقا بعد نصف قرن من الزمن، ولا تزال حصة أمريكا فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى تبلغ نحو الربع. كما أن «انحدار» أمريكا لم يمنعها من الفوز فى الحرب الباردة.
يستكمل ناى: فى أيامنا هذه، كثيرا ما يُستشهد بصعود الصين كدليل على الانحدار الأميركى. إذا نظرنا بدقة إلى علاقات القوة بين الولايات المتحدة والصين، فسوف يتبين لنا أن تحولا ملموسا حدث بالفعل لصالح الصين، وهو ما يمكن تصويره على أنه تراجع أمريكى، بالمعنى النسبى. ولكن بالقيمة المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة أكثر قوة، ومن المرجح أن تظل كذلك. الواقع أن الصين منافس يستحق الإعجاب، ولكن تعيبها نقاط ضعف مهمة. وعندما يتعلق الأمر بتوازن القوى فى المجمل، فإن الولايات المتحدة تتمتع بست مزايا طويلة الأمد على الأقل.
الأولى تتمثل فى الجغرافيا. يحيط بالولايات المتحدة محيطان وجارتان صديقتان، فى حين تشترك الصين فى حدودها مع 14 دولة وتخوض نزاعات إقليمية مع دول عديدة، بما فى ذلك الهند.
السبب الثانى هو استقلال أمريكا النسبى فى مجال الطاقة، فى حين تعتمد الصين على الواردات.
ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوتها من مؤسساتها المالية الضخمة العابرة للحدود الوطنية والدور الدولى الذى يلعبه الدولار. يجب أن تكون العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة قابلة للتحويل بحرية وأن تكون جذورها ضاربة بعمق فى أسواق رأس المال وسيادة القانون ــ وكل هذا تفتقر إليه الصين.
رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية باعتبارها الدولة المتقدمة الكبرى الوحيدة التى من المتوقع حاليا أن تحتل مرتبتها (الثالثة) فى التصنيف السكانى العالمى. وسوف تشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا على مستوى العالم تقلصا فى قوة العمل على مدار العقد المقبل؛ ولكن من المتوقع أن تزداد قوة العمل فى الولايات المتحدة، فى حين بلغت فى الصين ذروتها فى عام 2014.
خامسا، كانت أمريكا لفترة طويلة فى طليعة التكنولوجيات الرئيسية (التكنولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات). تستثمر الصين بكثافة فى البحث والتطوير ــ وهى الآن تسجل نتائج جيدة من حيث براءات الاختراع ــ ولكن بمقاييسها الخاصة، لا تزال جامعاتها البحثية تحتل مرتبة متأخرة عن المؤسسات الأمريكية.
وأخيرا، تظهر استطلاعات الرأى الدولية أن الولايات المتحدة تتفوق على الصين فى قوة الجذب الناعمة.
• • •
فى مجمل الأمر، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا قوية فى منافسة القوى العظمى فى القرن الحادى والعشرين. ولكن إذا استسلم الشعب الأمريكى للهستيريا بشأن صعود الصين، أو الرضا عن الذات بشأن «ذروتها»، فقد تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل سيئ. والتخلص من الأوراق العالية القيمة ــ بما فى ذلك التحالفات القوية والنفوذ فى المؤسسات الدولية ــ سيشكل خطأ فادحا. وبعيدا عن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فقد يؤدى ذلك إلى إضعافها بدرجة كبيرة.
اختتم ناى مقاله: يجب أن تكون خشية الأمة الأمريكية من صعود القومية الشعبوية فى الداخل أكبر من خوفهم من صعود الصين. الواقع أن السياسات الشعبوية، مثل رفض دعم أوكرانيا أو الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسى، من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بقوة الولايات المتحدة الناعمة. وإذا فاز ترامب بالرئاسة فى نوفمبر القادم، فقد يكون هذا العام نقطة تحول فى القوة الأمريكية. وأخيرا، قد يكون الشعور بالانحدار مبررا.
حتى لو ظلت قوتها الخارجية مهيمنة، فمن الممكن أن تفقد الدولة فضيلتها الداخلية وجاذبيتها فى أعين الآخرين. فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية قائمة لفترة طويلة بعد أن فقدت شكل الحكم الجمهورى. وكما عَـلَّـق بنجامين فرانكلين حول شكل الحكومة الأمريكية التى أنشأها المؤسسون قائلا: «هى جمهورية ما دام بإمكانك الحفاظ عليه». بقدر ما أصبحت الديمقراطية الأمريكية أكثر استقطابا وهشاشة، فإن هذا التطور هو الذى قد يؤدى إلى انحدار أمريكا.

النص الأصلى

التعليقات