عشرات الأسباب تفرض عليك أن تكون فى ميدان التحرير غدا، ومثلها أيضا توجب عليك الحذر الكافى من أن يتحول صمودك الجديد لحرث فى بحر، وتغرق فى دوامات من الجدل العقيم مع غيرك فتتنازعوا وتفشل ريحكم.
لم يعد الصمت يجدى، أو تجميل القبح، والرضا بالقليل، وكأن عزل مبارك ورموز حكمه وإبعادهم عن السلطة كان غاية المنى والنضال، فلم تقم الثورة إلا من أجل إسقاط النظام وبناء غيره، وبعد خمسة أشهر منها، لم يسقط النظام، وبالتالى لم تهيأ الأرض بعد لبناء النظام الجديد.
المشكلة كما ترى، أنك وغيرك وأنا معكم استنزفنا فى جدل كبير حول بناء النظام الجديد، والانتخابات أولا أم الدستور، رغم أن النظام القديم لم يسقط جملة، وعقليته مازالت حاكمه، وأصابعه مازالت متداخلة فى القرار، وفى توجيه الأحداث فى الشارع كذلك.
منذ 11 فبراير الماضى، وأنت تسير وفق خارطة طريق لم تخرج من رحم الثورة، لكنها خرجت من عند مبارك، من ذهنيته وعقليته وطريقة تفكيره، وهى الخطة التى عرضها فى خطابه السابق لموقعة الجمل، والتى تعهد فيها بانتقال للسلطة وتعديلات دستورية، وانفتاح حزبى، وحديث إنشائى عن محاكمة الفساد، وملاحقة المتورطين فى قتل المتظاهرين.
أقول لك وهذا ظن عندى وليس إثما مطلقا: «مبارك هو الذى يدير الانتقال»، والأمور تسير وكأنه مازال فى السلطة وسيغادرها فى سبتمبر، والأمر لا يحتاج إلى وجود الشخص فى مركز القيادة، بقدر ما هو فى «السوفت وير» الذى تركه مزروعا فى أجهزة الدولة وعقول نخبة الحكم التى جرى إنتاجها فى كنفه، وخرج أغلبها حتى فى الحكومة الحالية من رحم حزبه.
هذا «السوفت وير» هو الذى حول قضية قتل المتظاهرين إلى مجرد قضية «أمين شرطة هارب»، وحاكم رموز النظام على أتفه جرائمهم ومخالفاتهم، فجاءت الأحكام محبطة، ولم يجر أى تطهير فى وزارة الداخلية يضمن نزع «سوفت وير التعذيب» من عقول الضباط، ويرسل رسائل متضاربة فى ظل غياب المعلومات، ويبقى الرئيس السابق فى شرم الشيخ «معززا» دون محاكمة جدية أو حبس حقيقى، ويشيع الفوضى والانفلات فى الشارع، ويستخدم البلطجية فى الترويع، ويمارس تضليلا إعلاميا يجعل الحقيقة غائبة أو صعبة المنال، ويحترف لعبة الاستقطابات فيقسم النخبة والقوى السياسية ليبقى مهيمنا وحيدا، ويتخذ إجراءات اقتصادية منحازة للأغنياء ولا تكترث بالفقراء إلا فى العبارات الإنشائية.
أنت أمام منهج عمل هدفه أن تصل فى لحظة إلى أن تسلم لمبارك بما قاله سابقا بأن رحيله يعنى الفوضى، وأن تكتشف فجأة أن الخلاص والاستقرار، فى عودة النظام ذاته بوجوه جديدة، أو إنتاج غيره بقليل من المحسنات.
لهذا لابد أن تكون فى ميدان التحرير غدا.. لإسقاط «سوفت وير مبارك»، واستعادة الثورة، واستكمال هدم النظام السابق، قبل الشروع فى بناء اللاحق، الـ«الويندوز الجديد» يحتاج أولا إلى نسف القديم..!