كوريا الشمالية وما بعد؟ ماذا عن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط..؟! - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كوريا الشمالية وما بعد؟ ماذا عن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط..؟!

نشر فى : السبت 7 يوليه 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 7 يوليه 2018 - 9:15 م

بمناسبة القمة الموصوفة بالتاريخية بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ورئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، والتى عقدت يوم 12 يونيو 2018 فى سنغافورة، وما صدر عنها من «إعلان النوايا»، فقد وردت أنباء عن اتفاق ــ من حيث المبدأ ــ حول نزع الأسلحة النووية والقوة الصاروخية ذاتية الدفع بعيدة المدى لكوريا الشمالية، مقابل «فترة تأخير» فى رفع الجزاءات الاقتصادية الأمريكية المسلطة على كوريا الشمالية منذ عقود، والمعززة دوليا عن طريق قرارات إجماعية أو شبه إجماعية لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، وخاصة خلال العام الأخير.
وقد خطر لى أن أتقاسم الفكرة مع القارئ حول أن نزع أسلحة كوريا الشمالية، والإصرار الأمريكى على ذلك، هو أمر يعزز واقع احتكار الأسلحة النووية على المستوى الدولى، بمفعول معاهدة «حظر الانتشار النووى» لعام 1968.
والشى بالشىء يذكر، إذ نلحظ جهدا كثيفا مناظرا للحفاظ على احتكار إسرائيل للأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط. ونتذكر هنا أن فى مؤتمر الاستعراض الدورى لسير المعاهدة لعام 1995 تمت الموافقة على القرار المتعلق بالشرق الأوسط بهدف إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وفى المؤتمر الاستعراضى لعام 2010 تم الاتفاق على عقد مؤتمر دولى عام 2012 للبحث فى تنفيذ القرار المذكور، ولكن بفعل ضغوط الولايات المتحدة ( ومن خلفها أو أمامها «إسرائيل») تم إلغاء المؤتمر.
ومعروف أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تملك سلاحا نوويا (من 200 إلى 300 رأس نووى حسب بعض التقديرات السابقة)، مما يتيح لها وحدها قدرة الردع من طرف واحد إزاء مجموعة الأطراف العربية والشرق أوسطية، ولو كان ما يسمى «الردع بالشك».
ومعروف أيضا أن «معاهدة عدم الانتشار» ــ التى يبلغ عدد أعضائها حاليا 189 دولة ــ تنص على الالتزام المتبادل للدول الأطراف بعدم انتشار السلاح النووى، وفق المادتين الأولى والثانية. إذْ تخاطب المادة الأولى الدول المالكة للأسلحة النووية، وهى خمس دول معترف بها كدول نووية عند نفاذ الاتفاقية: الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية (وريثة «اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية») وبريطانيا وفرنسا والصين، وتفرض عليها عدم نقل أو تسليم أى أسلحة نووية أو ما فى حكمها لأى طرف لا يملكها.. بعبارة أخرى، تفرض المعاهدة التزام الدول النووية بعدم نشر التكنولوجيا النووية العسكرية، أو منتجاتها، إلى الدول غير النووية. وعلى الطرف المقابل، تفرض المعاهدة على الدول «غير المالكة للأسلحة النووية» التزاما بعدم تسلم أو قبول نقل أى أسلحة نووية أو ما فى حكمها، وبعدم إنتاج أو اكتساب مثل هذه الأسلحة، بل وعدم قبول أى مساعدة خارجية فى ذلك.
***
وقد دار الجدل أخيرا حول محاولة إيران تطوير قدرات لتخصيب اليورانيوم حتى حدود «العتبة النووية»، بمساعدة سابقة ــ كما قيل ــ من «عبدالقدير خان» المسمى بأبى القنبلة النووية الباكستانية أو (الإسلامية) وبدعم تكنولوجى مكثف ــ نوويا وصاروخيا ــ من كوريا الشمالية.
ويشار إلى أنه بمقتضى «صفقة» الاتفاق الموقع بين إيران ومجموعة (5+1) عام 2015 حدث توافق على عدم رفع مستوى تخصيب اليورانيوم فى إيران إلى «العتبة النووية» (20% فأكثر) وكذا تحديد أعداد ونوعيات أجهزة الطرد المركزى، وذلك مقابل رفع «جزاءات المقاطعة الاقتصادية» المفروضة عليها أمريكيا وأوروبيا، ثم دوليا.
غير أن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» رأى فى هذا الاتفاق نوعا من «التساهل» مع إيران فأعلن الانسحاب من (الصفقة) ليعيد فرض المقاطعة على إيران بهدف تشديد الضغط الاقتصادى عليها، مع حرمانها من قدرة التخصيب عند «العتبة النووية» فى نفس الوقت.. ويعنى هذا أن يتم ضمان إبقاء إسرائيل دولة نووية وحيدة فى النطاق العربى والشرق أوسطى، وفى إطار ما يسمى «الشرق الأوسط الموسع»، عبر مواصلة عملية «نزع الأسنان» الباكستانية، اقتصاديا وعسكريا ونوويا بالذات، ومن ثم إدماجها فى الدورة الأمريكية لمواجهة ما تسميه الولايات المتحدة هناك بـ«الإرهاب» وخاصة على حدود باكستان مع أفغانستان. ويبقى من دول الشرق الأوسط، تركيا التى تبقى عضوا نشطا ــ غير نووى ــ فى «حلف شمال الأطلسى» على أى حال، على الرغم من التقلبات.
***
هذا، ويرتبط تثبيت إسرائيل كدولة نووية وحيدة فى منطقة الشرق الأوسط بكونها الدولة الوحيدة ذات القدرة المعتبرة على إنتاج وتوصيل واستخدام أسلحة الدمار الشامل الأخرى من بيولوجية وكيميائية. ويترجم ذلك، خاصة، بعدم قبولها المتكرر لمبادرة (إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية) ورفض الانضمام للبرتوكول الاختيارى للتفتيش (المفاجئ) على المنشآت النووية من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن عدم الانضمام لاتفاقية ــ ومنظمة ــ «حظر الأسلحة الكيماوية»، واتفاقية حظر التجارب النووية.
ودع عنك الجهد (الإسرائيلى ــ الأمريكى) المتواصل لتفكيك ثم وأْد البرنامج النووى العراقى، بدءا من تدمير مفاعل «تموز» النووى العراقى فى 5 يونيو1981، مرورا بأعمال التفتيش (المهينة) التى أجراها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية طيلة أعوام مديدة بعد اجتياح الكويت، وحتى الغزو الأمريكى للعراق ودخول العاصمة بغداد فى التاسع من إبريل عام 2003.
يرتبط بذلك، حرمان عدد من الدول العربية الرئيسية (مصر ــ سوريا ــ الجزائر ــ ليبيا ــ العراق أيضا) من امتلاك قدرات الردع المحتمل باكتساب تكنولوجيا إنتاج وتوصيل واستخدام أسلحة «التدمير شبه الشامل»، أو (الأسلحة فوق التقليدية) فى المجالين الكيماوى والبيولوجى. وليس ببعيد تدمير الموقع السورى المحتمل للأبحاث النووية منذ أعوام شرقى دير الزور عام 2007 بضربة جوية إسرائيلية، والموقع المحتمل أو (المشتبه به) للأبحاث العلمية قرب دمشق خلال العدوان الرباعى الأخير ضد سوريا، وما بينهما إيقاف البرنامج الكيميائى السورى، 2013 ــ 2014، بعد تهديد وشيك بضربة أمريكية ضد سوريا، وما أعقب ذلك من التخلص من المخزون السورى للمواد الكيماوية القابلة للاستخدام عسكريا، تحت إشراف دولى، وبرعاية المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية.
هذا، وإن فرض «الاستثناء الإسرائيلى» يمثل فى حقيقته تعبيرا، بصورة معينة، عن الاستثناء الأكبر الذى قننته «معاهدة عدم الانتشار» ــ من ناحية الأمر الواقع ــ بالاعتراف الفعلى باحتكار القدرة النووية العسكرية لعدد محدد من الدول، ومعها حفنة من الأعضاء المتسربين للنادى النووى، انحسرت وانحصرت فى الهند والباكستان وإسرائيل، وأخيرا كوريا الشمالية، التى تفيد التقارير بتملكها عددا من الرءوس النووية ربما لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة، فضلا عن السيطرة على تكنولوجيا الصواريخ ذاتية الدفع بعيدة المدى.
وهكذا يحدث التوافق الأخير، من حيث المبدأ، على نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية، فى ظل عدم وجود آلية منظمة لنزع الأسلحة النووية على المستوى الدولى، أى لنزع «نووية» أعضاء «النادى النووى» وخاصة الكبار منهم، وهو ما يعنى تكريس واقع الاحتكار النووى العالمى، بالتعارض مع نص المادة السادسة من معاهدة عدم الانتشار، والتى تقضى بالعمل ــ من طرف الدول النووية ــ على وقف سباق التسلح وصولا إلى «نزع السلاح النووى الشامل والكامل الخاص بها تحت السيطرة الدولية الصارمة والفعالة».
***
ومرة أخرى، إن الاستثناء الدولى لأعضاء «النادى النووى» يعنى حرمان غير الأعضاء المفترضين فى هذا النادى من إمكانية تملك السلاح النووى. أما فى حالة الأعضاء الفعليين غير المعترف بهم صراحة، وفى مقدمتهم، على الجناحين الأيسر والأيمن، كوريا الشمالية وإسرائيل، فإننا نجد تمييزا فى المعاملة، حسب المعايير المسيسة لأكبر دولة نووية فى العالم، الولايات المتحدة الأمريكية. فبينما تعتبر كوريا الشمالية بمثابة تهديد للأمن القومى الأمريكى، تظل إسرائيل امتدادا طبيعيا للإمبراطورية الأمريكية فى «الشرق الأوسط الموسع». ومن هنا يتم تكريس أحادية الاحتكار النووى لإسرائيل فى الشرق الأوسط، فى ظل الاستمرار المتوقع لـ«الاتفاق النووى» مع إيران، على الرغم من الانسحاب الأمريكى منه، بينما يغيب ــ على الطرف الآخر ــ السلاح النووى الكورى الشمالى.
إنه إذن واقع «عدم العدالة» فى العلاقات الدولية، وإهدار مبدأ «المساواة فى السيادة» كأساس جوهرى مفترض لميثاق الأمم المتحدة (1945).
فماذا يخبئ التطور التاريخى للنظام الدولى ومنظومة العلاقات المتبادلة فى المنطقة العربية والعالم الإسلامى..؟ سؤال الأسئلة فى عالمنا وعصرنا الراهن.
ويجئ بعد السؤال نوع من التمنى فنقول: إنه إذا كان سيتم نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية، فـ«عُقْبَى» إذن لمنطقة الشرق الأوسط.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات