بالقدر ذاته الذى يفرضون به الحصار على المعتصمين فى الميادين رفضا للانقلاب، يبدو الانقلاب نفسه بجماعته وأهله وعشيرته تحت حصار الاعتصام.
وإذا كان الاعتصام محاصرا أمنيا وإعلاميا ودعائيا من خلال منظومة متكاملة من الأكاذيب، فإن الانقلاب يبقى تحت الحصار الأخلاقى والإنسانى، على نحو جعل أصحابه فى حالة تشنج، دفعتهم للاستنجاد بالوساطات الدولية والإقليمية لتقيلهم من عثرتهم السياسية وتخرجهم من مأزق حضارى، رويدا رويدا بات يؤرق الضمير العالمى مع تساقط كل هذه الأعداد من الضحايا، وتبين الملامح العسكرية التامة لعملية ٣٠ يونيو الخاطفة بعد زوال طبقة المساحيق الشعبوية الكثيفة التى وضعها مخرج الانقلاب وماكييره على وجه ذلك اليوم.
وتتجلى علامات التوتر فى هذا الاستجداء الرسمى المتكرر لدخول الطرف الأمريكى على الخط، من خلال دبلوماسية الحوارات الصحفية مع وسائل الإعلام الأمريكية، لكى تنجز واشنطن تفاهمات أو صفقة بين الحكم العسكرى من جانب وبين من وضعوهم فى السجون بتهم القتل والتجسس من جانب آخر.. وتلك واحدة من المفارقات المثيرة فى التاريخ: أن تطلب سلطة المساعدة فى التفاوض مع معارضة متهمة من جانب هذه السلطة بالخيانة الوطنية والتحريض على القتل، وهنا قمة التناقض الأخلاقى والخلل المنطقى.
غير أن إعلام الانقلاب يواصل ألعابه الظريفة على الجماهير بمحاولة التعبير عن امتعاض زائف من كثرة ما يسميه «المبادرات» والتدخلات الخارجية فى القضية المصرية، متغافلا بأن هذه الزيارات لم تكن لتتم لو أن حكام مصر لم يطلبوها.
وتذكر جيدا أن مثل هذه الأجواء هى البيئة المناسبة لنشاط هذا النوع من الحناجر المبرمجة على تقديم اسكتشات فكاهية عن السيادة الوطنية والكرامة القومية، وهى الفقرات التى تتكرر دائما مع اهتزاز الأنظمة التى يلعبون فى أحواشها، وتردد العبارات ذاتها من نوعية الأساطيل والقطع البحرية الأمريكية تتحرش بنا فى المياه الإقليمية، إلى آخر هذه المحفوظات « الأمن ــ قومية» المعلبة.
لقد تكسرت كل سهام الترويع الأمنى والتشويه الأخلاقى ومحاولات الترويض بالصفقات لرافضى الانقلاب على صخرة هذا الصمود الرائع والاستبسال غير المسبوق للمعتصمين فى الميادين، لكن عميان البصر والعقل لا يريدون أن يروا أن خارطة الرفض والاحتجاج والغضب تتسع وتجتذب فئات جديدة، حتى تكاد تلتهم «خارطة الطريق» التى يريد الانقلابيون أن يجرى التعامل معها كنص مقدس لا يجوز مناقشته أو الاقتراب منه.
ويبقى أن هذا الاحتشاد المذهل فى معظم ميادين لا يخص جماعة الإخوان أو الإسلام السياسى فقط، بل هو غضب شعبى عارم، ومن ثم شىء جيد أن تنفى جماعة الإخوان قبولها بأية تسويات أو صفقات مع السلطة القائمة، ذلك أن القضية ليست خلافا بين «أخوان وعسكر» وإنما قضية شعب اختطفوا منه حلمه الوليد فى وطن حر ومتحضر.