تحديات حكومة جديدة فى سوريا - سمير العيطة - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أبريل 2025 3:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تحديات حكومة جديدة فى سوريا

نشر فى : الأحد 30 مارس 2025 - 5:05 م | آخر تحديث : الأحد 30 مارس 2025 - 5:05 م

رغم كلّ الاتفاقيات والوساطات عادت إسرائيل إلى وتيرة إبادتها الجماعية للفلسطينيين فى غزة وتدمير مدن الضفة الغربية. كما قصفت الضاحية الجنوبية فى بيروت، بحجة حادثة مشبوهة، لتعكر أجواء زيارة الرئيس اللبنانى جوزيف عون إلى باريس واللقاء الذى رعاه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بين الرئيسين اللبنانى والسورى. هذا فى حين صرح رئيس لجنة الأمن القومى بالكنيست الإسرائيلى أن دمشق يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وأن تكون جسر إسرائيل للوصول إلى الفرات. وفى حين يتجول الجيش الإسرائيلى فى الجنوب السورى وتعبث أجهزة أمن الدولة العبرية فى كامل التراب السورى. مغزى ذلك أنّ نتنياهو لم يقُل كلمته الأخيرة ولم يصِل إلى نهاياته فى تغيير المشرق العربى وفرض هيمنته الكاملة عليه... جغرافيّا وبشريا وسياسيا... ودون رادع.
فى لبنان، من الواضح بعد حرب إسرائيلية مدمرة أن تدخلات خارجية، سواء من «اللجنة الخماسية» التى تضم قطر والسعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا أو من غيرها، مكّنت أخيرا من انتخاب رئيس للجمهورية بعد سنتين من الفراغ وتشكيل حكومة جديدة وأخيرا تعيين حاكم لمصرف لبنان المركزى. هذا كلّه فى بلد ما زالت أوضاعه الاقتصاديّة والماليّة والخدميّة هشّة للغاية، والمعوقات كبيرة أمام الإصلاحات... حتّى الملحّة منها.
ربّما اعتاد اللبنانيّون على التدخّلات الخارجيّة فى تركيبات حكومات دولتهم، وفى ظلّ تعقيدات التفاوض بين قواهم السياسيّة. إلاّ أنّ السوريين لم يعتادوا يوما أن تتدخل دول فى ترشيح وزراء أو رفض وصولهم إلى مهمات كبرى حكومية. علما أن تسمية الحكومات فى سوريا كانت تخضع لاعتبارات توازنات ذات طبيعة مناطقية أكثر مما هى الاعتبارات الطائفية فى لبنان.
بالتأكيد تقوم تلك التدخلات والمفاوضات والتوازنات على من يتولى الحقائب «السياديّة»، أى رئاسة الوزارة ووزارات المالية والداخلية والدفاع والخارجية، كما المصرف المركزى. بالإضافة إلى الحقائب «الخدميّة» المهمّة، أى الاتصالات لأنها تخص قطاعا ريعيّا، والكهرباء.
هكذا تمّ فى مهرجانٍ كبير الإعلان عن حكومة جديدة فى سوريا، بعد حكومة «تيسير الأعمال» التى استمرّت أكثر من نهاية مدّة الثلاثة أشهر بقليل. حكومة «أصيلة»، ربما لمدة خمس سنوات، ولم يُشَر أنّها حكومة «انتقاليّة» مناطٌ بها مهمّة محدّدة لإعادة تعافى البلاد، ريثما يصبح بالإمكان إجراء انتخابات بعد ذلك التعافى.
لقد احتفظ رئيس البلاد برئاسة مجلس الوزراء، كما تبيّن أصلا من نصّ الإعلان الدستورى. كما احتفظت الحلقة الضيقة المحيطة به بالوزارات «السيادية»، عدا وزارة المالية رغم أهميتها الأساسية فى إخراج البلاد من انهيارها الاقتصادى الحالى. هنا جاء الخيار إشارة للتوجه نحو تطبيع العلاقات مع منظومتى البنك وصندوق النقد الدوليين. فى المقابل، تمّ اعتبار وزارات كالعدل والطاقة، التى تضمّ النفط والكهرباء، والإدارة المحلية، «سياديّة». وتسلّمت شخصيّات «تقنيّة» مسئوليّات الحقائب «الخدميّة».
من الواضح أنّ هذه الحكومة تشكّل رسالةً من السلطة الجديدة فى سوريا إلى أوروبا الغربيّة والولايات المتحدة، من حيث أنّهما لا تنظران إلى سوريا، والمشرق العربى بشكلٍ عام، سوى من المنظور الطائفى بين الأغلبيّة والأقليّات..
للإشارة هناك سيّدة وزيرة واحدة وحيدة مسيحيّة وشخصيّة تقنيّة واحدة ووحيدة أيضا ذات أصول علويّة وشخصيّة أخرى كردية.
• • •
يبقى السؤال مطروحا عمّا إذا كانت الدول النافذة اليوم فى سوريا، وفى مستقبلها، ستعتبر أنّ هذه الحكومة تشكّل... مشاركةً سياسيّة؟ والأهمّ أيضا عما إذا كانت جميع أطياف المجتمع السورى تعتبر أنّها كذلك؟ هذا على الرغم من أنّه من الواضح أنّ لا مشاركة سياسيّة فيها بالمعنى الحقيقى، إذ تمّ حلّ كلّ الأحزاب السياسيّة فى سوريا حتّى صدور قانون أحزاب جديد. بالتوازى جرى حلّ جميع الأحزاب التى كانت قائمة فى ظلّ السلطة القديمة كما حلّ جميع الأحزاب التى كانت فى المعارضة، وتسمّى فى الأدبيات الحالية... «ثوريّة». كما أنّ لا مشاركة سياسيّة فيها بمعنى أن خياراتها تضمّنت توجّها فعليّا، أو أنّها نتجت عن تفاعل حقيقى، يعيد وحدة التراب السورى ويوقف شرذمة إدارات المناطق. كما غياب وضوح التوازنات التى قامت عليها هذه الحكومة بين القوى الإقليمية والدولية النافذة فى سوريا، سوى مراعاة ملحوظة لدولة قطر وأخرى لدولة الإمارات العربية المتحدة.
التشارك الفعلى فى الوزارة الجديدة هو تشارك بين السلطة المنتصِرة و«تكنوقراط»، أغلبهم مشهود لهم بخبراتهم فى مجالاتهم. وكذلك تشارك مع المنظّمات غير الحكوميّة. لكنّ أسس هذا التشارك لم تبد واضحة من «البيان الحكومى» الذى أعلنه الرئيس ومن كلمات الوزراء، المتناقضة أحيانا، كى يتمّ تحديد الأولويّات المستعجلة قبل الآمال المستقبليّة البعيدة، ومنهج التفاعل بين سياسات السلطة القائمة والوزارات السياديّة وبين من يُفترض أنّهم فقط تقنيّون، لا رأى سياسى لهم. إذ تتطلّب الأمور جهودا استثنائية وتنسيقا قويا ضمن الحكومة الجديدة فى ظلّ الأوضاع الاقتصادية والمالية والخدمية المتدهورة، الأسوأ من الهشّة، وفى ظلّ استمرار العقوبات الأمريكيّة واستمرار التشرذم السورى والاختلاف الكبير بين طرق الإدارة وفى الخدمات العامّة بين المناطق رغم «التحرير». هذا عدا قضايا إعادة النازحين والمهجرّين وإعادة الإعمار والتعافى الاقتصادى.
• • •
التحديات كبيرة. والخيارات صعبة. خاصّةً وأنّ رفع العقوبات الأمريكيّة عن سوريا بتعقيداتها سيتطلّب بجميع الأحوال وقتا طويلا. وهنا يبدو حكيما التوجّه لانخراط الدولة السورية من جديد فى المنظومة العالمية للخروج من أزمتها الخانقة، خاصةً عبر البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين قطعا علاقاتهما مع البلاد منذ 2011. وبالتحديد كون أنّ الانخراط ضمن هذه المنظومة لا يُمكِن أن يجرى دون موافقة الولايات المتحدة التى لها كلمتها فى مجلس إدارة هاتين المؤسستين. ولا يُمكِن نسيان أنّ البنك الدولى كان بين أوّل من قبل التفاوض الثنائى على ديون الدولة السورية بعد إفلاس عام 1986 وكسر آلية فرض شروط «نادى باريس» القاسية. ولا يمكن تصور أن تسير سوريا نحو «اقتصاد حرّ» حسبما تتمّ الدعوة إلى الأمر اليوم دون الانخراط فى المنظومة الدوليّة.
تستطيع هاتان المؤسستان حشد الدعم الدولى، وأن يكون منحا وليس قروضا، لأن سوريا بالتعريف الدولى دولة «هشّة» الآن لا تحتمل قروضا جديدة، كما تستطيع المؤسستان إيجاد آليّات لهذا الدعم مقبولة دوليا، أكثر بكثير من منظمات الأمم المتحدة التى تعانى أصلا من وقف التمويل الأمريكى لها. بالطبع لا يعنى هذا القبول بإملاءات، بل العبرة فى قدرة الحكومة على التفاوض فى طرح الأولويّات والتوافق على الإصلاحات الاقتصاديّة والماليّة الضروريّة. كما هو الأمر اليوم بالتحديد فى لبنان بعد انهياره المالى. أضِف أنّ الانخراط فى منظومات دوليّة كهذه، شاركت سوريا أصلا فى تأسيسها، يساعد من حيث ما تتمتع به من شفافية أكبر فى الإجراءات فى تخفيف ضغوط الدول النافذة فى سوريا لزيادة نفوذها أكثر عبر المال والمنافع الاقتصادية.
يُمكِن بالتأكيد انتقاد سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين، خاصّةً فى زمن ما كان يُسمّى «توافق واشنطن». إلا أنهما أكثر حساسيّة للعمل على فرض سياسات «حماية وعدالة اجتماعية» فى ظل اقتصاد «حرّ» يتضمّن احتكارات من سياسات ما قبل انتفاضة 2011 ومن مضمون بعض خطابات الوزراء الجدد.
لقد جاءت هذه الحكومة فى توقيت تحذير أمنى غير مسبوق، عاد ليذكّر بالأولويّات والتحديّات الآنيّة. فهل ستستطيع الحكومة السوريّة «العتيدة» إخراج سوريا من عنق الزجاجة أكثر من الحكومة اللبنانيّة؟ لا غرابة فى الموازاة بين تحديات إعادة النهوض بالدولة بين البلدين. فمصير بلاد الشام واحدٌ فى ظلّ... عصر الذئاب.

رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات