لا حاجة لدموعكم وإنَّما لأن تتعلَّموا - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا حاجة لدموعكم وإنَّما لأن تتعلَّموا

نشر فى : الخميس 7 أغسطس 2014 - 7:15 ص | آخر تحديث : الخميس 7 أغسطس 2014 - 7:20 ص

لا يحتاج شعب غزَّة العربى إلى دموع العرب، إذ لديه أنهار من دموع أصحاب الضمائر والقلوب المتعاطفة تدفَّقت غزيرة من مئات عواصم وبلدان العالم أجمع.

ما يتمنَّاه شعب غزَّة العربى هو أن يتعلَّم إخوته من شعوب الأمة العربية جمعاء بعضا من دروس بطولاته وتضحياته وصموده الأسطورى فى وجه أبشع وأحقر وأقسى آلة حربية عرفتها البشرية، آلة الاستعمار الاستيطانى الصهيونى فى فلسطين المحتلَّة المدعومة بشكل مخجل مجنون انتهازى بآلة حربية وسياسية أمريكية لم تتوان كل أنظمة حكمها، عبر ستين سنة، عن ارتكاب كل الجرائم الشيطانية بحق شعب فلسطين كله لإبقائه فى محنه وعذاباته وغربته بعيدا عن أرضه المغتصبة وتاريخه المتلاعب به تزويرا وتدليسا.

أول هذه الدروس هو الوصول إلى الاقتناع بأن الحدود التى توضع فيما الحياة والموت هى حدود وهمية. فهناك أناس يأكلون ويلعبون ويمرحون وهم فى الواقع أموات بموت ضمائرهم وكبريائهم وأحاسيس الالتزام الإنسانى فيهم تجاه الآخرين. وهناك أناس فنيت أجسادهم، لكنهم متواجدون فى ساحات النضال والحروب والفداء من أجل المثل والعدالة والحقوق ومقاومة الظلم.

أهل غزة فضَّلوا موت الجسد على انكسار الروح، وسيبقون أحياء فى تلك السَّاحات عبر القرون وفى أرجاء المعمورة.

•••

ثانى هذه الدروس هو رفض التعلق بالرجاء والأمل إذا كانا سيأتيان من حقارات الآخرين. ثلاثون يوما وهم يشاهدون السقوط الأخلاقى والسياسى والعسكرى والإنسانى لمن ظنوا، وآه من أحلام وفواجع الظنون، بأنهم أهلوهم وذووهم. لكن ذلك السقوط التاريخى المخجل لم يدخل اليأس ولا الخوف ولا التراجع فى قلوب شباب وشابات غزة.

فالأمة التى خذلت شبابها وشاباتها فى تطلُّعهم نحو الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة ما عادت تنبض فيها الحياة لتكون مصدر أمل ورجاء. لقد تعرى عجزها يوم بصق البعض على دماء شبابها وشاباتها الطاهرة، ويوم أصم البعض أسماعهم عن سماع أنينهم فى زنزانات السجون وطرقات المنافى، ويوم أعرض البعض عن النظر إلى وجوهم البريئة الحزينة وهم يحاكمون من على منابر إعلام عربى باع روحه للشيطان وفى قاعات محاكم جلس على منصاتها قضاة مرتشون. ولذلك لم تيئس روح غزة ولم تضعف عزيمتها عندما ران صمت القبور على الأرض العربية ونعقت أصوات الشماتة وتآمرت هذه الحكومة أو تلك وأنزلت أبواق اللؤم الإعلامى الصراع الوجودى مع الصهيونية إلى مستوى أعمال العنف فى غزة، وتثاءب الوجدان العروبى، ثم نام. فالأمل الغزَّاوى تفجَّر من ينابيع الداخل ولم يتعلق بسخافات وألاعيب الخارج، مثلما يفعل الآخرون كل يوم وهم يقفون وقفة الذل أمام أبواب واشنطن وغيرها من عواصم الكذب والانحناء للمال الصهيونى.

•••

وثالث الدروس هو التضحية بمباهج ورفاهيات الحياة من أجل تحصين الذات المقاومة المحاربة. عبر سنين طويلة ضحى الغزاويون بمأكلهم ولباسهم وراحتهم ليحفروا الأنفاق ويصنعوا ما يمكن صنعه للدفاع عن أنفسهم، وليوجعوا عدوهم وليستروا عورات جيوش وحكومات وأحزاب ومليارات أمتهم، هذا بينما كان الآخرون يبعثرون مال الأمة الوفير للتباهى فيما بينهم حول من يشترى أفخم متجر فى هذه العاصمة أو تلك أو من يخرج هذه الشركة الأجنبية أو تلك من عثراتها أو من يبنى أكبر أو أعلى أو أفخم مجمع استهلاكى تبنيه وتستفيد منه وتربح خيراته هذه الجهة أو الشركة الأجنبية أو تلك.

لقد تم كل ذلك على حساب بناء استعداد الأمة للذَّود عن استقلالها ولتطهير أرضها من جيوش الاحتلال ولإخراج نفسها من تخلُّفها التاريخى فى كل مناحى الحياة ولكسب احترام الآخرين الذين لا يرون فيها إلا أمة العبث وقلة الحيلة.

•••

ورابع الدروس هو أن الحياة لا تتطهر إلا من خلال من يعتبرهم الجبناء مغامرين ويعتبرهم الكسالى المستسلمون مشاغبين ومتعبين ومن يعتبرهم من لا يرون فى الحياة إلا المتع والغرائز العابرة حالمين عابثين. لكن التاريخ البشرى يقف فى هذا الدرس المتوهج مع غزة وليس مع الذين خذلوها وتآمروا عليها.

غزة فى التاريخ علمت الدروس الكثيرة وفى الحاضر تعاود إلقاء الدروس. وهى لا ترجو أكثر من ألا يكون تلاميذها من البلداء أو الكسالى أو الحمقى اللاهين.

يا أمتى، غزة لا تحتاج لدموعك ولكن تحتاج بكبرياء البطولة أن تستوعبى معانى وسمو وألق دروسها.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات