نشرت مجلة بوليتيكو مقالا للكاتب أ.هيلير، يقول فيه إنه على الرغم من أن العالم متعدد الأقطاب إلا أن ليس أكثر عدلا، فالولايات المتحدة اللاعب الأكثر قوة تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة، والأوروبيون يعانون من تصاعد الشعبوية اليمينية، وأخيرا الإمبريالية الصينية والروسية تمثلان خطورة على النظام الدولى... نعرض منه ما يلى:فى ظل تركيز وسائل الإعلام الدولية على الولايات المتحدة وانسحاب الناتو من أفغانستان، تبقى الحقيقة هى أن الأفغان هم من دفعوا العبء الأكبر من التكلفة، ليس فقط بسبب كيفية حدوث الانسحاب ولكن بسبب تدخل استمر أكثر من عقدين، وهو ما يعود إلى أبعد بكثير من الغزو الذى قادته الولايات المتحدة عام 2001.
يرتبط ما حدث ارتباطا وثيقا بكيفية تفكيرنا فى النظام الدولى والتدخلات الغربية وما ينتج عنهما. واحدة من الأساطير الضخمة التى انتشرت فى النصف الأخير من القرن العشرين هى أن الإنسانية «نجحت» بطريقة ما فى بناء «نظام دولى ليبرالى»، مدعوم من القوى الغربية الأكثر قوة ويخضع له الآخرون من الدول غير الليبرالية. كان من المفترض أن يستند هذا النظام على قواعد القانون الدولى، ويسمح للدول الأصغر بالحفاظ على سيادتها.
ولكن الادعاء بأن هذا النظام جيد، هو ببساطة غير صحيح. فهناك عشرات الأمثلة التى تظهر خلاف ذلك... إذا نظرنا إلى ما يفترض أن يعنيه القانون الدولى على الأرض، أو فيما يتعلق بسيادة الدولة، فعلينا أن نسأل عن دوره فى سوريا أو دول جوارها، أو دوره فى اضطهاد الصين لمسلمى الإيغور، أو الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وسياساتها فى الفصل العنصرى، أو الغزو الروسى لشبه جزيرة القرم وضمها عام 2014ــ فى حين أن أوكرانيا عضو فى مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا والأمم المتحدة، إلا أن عضويتها فى مثل هذه المنظمات التى تمثل دعائم النظام الدولى لم تحمها من الغزو الروسى.
إن فكرة العالم أحادى القطب هو الأساس المنظم للعلاقات الدولية، حيث النظام الدولى الليبرالى القائم على القواعد والمدعوم بالقانون الدولى، ببساطة غير موجودة. ومع مرور الوقت، يقل عدد من هم فى المناصب القيادية الذين يؤمنون بمبدأ القانون الدولى، وتستمر قوتان رئيسيتان ــ الصين وروسيا ــ فى تحدى النظام الحالى، فضلا عن توفير بدائل له.
الحقيقة هى أن النظام الدولى لم يكن «أحادى القطب» لعدة عقود حتى الآن. نحن نعيش فى عالم متعدد الأقطاب منذ سنوات عديدة. هناك من يرحب بهذا على أمل أن يصبح العالم متعدد الأقطاب أكثر عدلا. عالم تتوزع فيه القوة، وأن تتوزع بشكل متساو، ونتيجة لذلك، يتفق الجميع على تحقيق أهداف مشتركة تخدم العالم بأسره.
ومع ذلك، ليس من المحتمل أن يحدث ذلك، وهذا لسببين رئيسيين: الأول هو أنه على الرغم من كل عيوب الولايات المتحدة، إلا أنها لا تزال الفاعل الأكثر قوة على المسرح الدولى، والتى من الممكن، حتى من الناحية النظرية، أن تضغط من أجل تحقيق هدف حقيقى مشترك. ولكن من الواضح أنها تتراجع.
والثانى هو أن الانقسامات فى أوروبا تزداد. يواجه الأوروبيون ــ والغربيون بشكل عام ــ تهديدا هائلا من الداخل، وهو صعود الشعبوية اليمينية المتطرفة، وسيستمر هذا فى إلحاق ضرر لا يُصدق بالقارة الأوروبية. لكن الأسوأ من ذلك هو الرؤية القادمة من الصين. على الرغم من كل الأحاديث المناهضة للإمبريالية فيما يتعلق بالغربــ سواء كان ذلك فى أفغانستان أو العراق أو فى أى مكان آخر ــ يبدو أن الكثير لا يدرك خطورة الإمبريالية الصينية أو، على نطاق أقل أهمية، الإمبريالية الروسية، وكيف يمكن أن تصبح فى السنوات القادمة. إذا كان ما سيمر فى الطريق حينما يصبح الغرب أكثر انعزالية أشياء مثل تدخلات روسيا فى سوريا أو سياسات الصين تجاه الأويغور، فإن أى «نظام عالمى» جديد يتشكل على أساس دور صينى روسى مشترك قد يصبح أسوأ بكثير من النظام المعيب والمنافق الذى نعيش فيه اليوم.
بالطبع، يدرك العديد من حلفاء الولايات المتحدة أن هذا النظام الصينى الروسى الجديد آخذ فى الظهور، ولهذا السبب يقيم الكثير فى أوروبا، وفى العالم العربى، روابط جديدة مع بكين وموسكو. يكاد يكون من الممتع سماع القادة الأوروبيين يواصلون الحديث عن الناتو، بينما يقوم أعضاء الناتو بصياغة ترتيبات بديلة علانية مع موسكو ــ ولا شك أن هذه المواقف ستستمر.
ربما يتعين على أوروبا التعلم من العالم العربى، وطريقة استجابتهم لانسحاب الولايات المتحدة من منطقتهم. هذا لا يعنى الاقتداء بهم، حيث يبنى الكثيرون فى العالم العربى علاقات أكبر من بكين وروسيا للاستجابة للتحديات الأمنية. لكنهم قاموا بشىء واحد صحيح وهو إدراكهم أن عليهم التحرك لحماية مصالحهم.
هل نحن فى أوروبا لدينا نفس الاعتراف؟ هل نعتقد أن «أمريكا أولا» ستتحول إلى «أمريكا من أجل القانون الدولى» فى غضون بضع سنوات؟ هل نستهين بما سيأتى بعد ذلك؟ يجب ألا نكون سذجا بشأن ما قدمته السنوات العشرين الماضية. كانت مليئة بالعيوب والأخطاء والنفاق. لكن دعونا أيضا ألا نكون ساذجين بالاعتقاد أنه يمكن للصين أو روسيا بناء نظام دولى قائم على القواعد.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى النص الأصلى