نموذج كريستيانيا هل يحل مشكلة مصر؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نموذج كريستيانيا هل يحل مشكلة مصر؟

نشر فى : الخميس 7 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الخميس 7 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

فى قلب العاصمة الدنماركية كوبنهاجن منطقة غريبة واستثنائية اسمها كريستيانيا. هى عبارة عن حى مساحته ٣٤ هكتارا ويقيم فيه نحو ألف شخص تقريبا أعلنوا استقلاله عن الدولة عام ١٩٨٩ والشرطة لا تستطيع دخوله معظم الأوقات.

إذا اردت الدخول كزائر الى هذه المنطقة ــ التى كانت ثكنات عسكرية حتى عام ١٩٧١ ــ عليك ان تلتزم بقواعده الداخلية وإلا تعرضت لما لا يحمد عقباه. وفى عام ٢٠١١ اغلقه السكان على انفسهم ثم اعادوا فتحه بعد نقاشات مع الحكومة لا تزال مستمرة حتى الآن لتنظيم العلاقة العرفية بينهما.

عندما تجتاز المدخل تجد لافتة كبيرة مكتوبا عليها: «انت الآن فى منطقة خارج الاتحاد الأوروبى».

بمجرد الدخول تتلقى تعليمات من الجميع بعدم التصوير وإلا تم احتجازك والاعتداء عليك. وقبل ان تسأل لماذا التصوير ممنوع، تشم انفك روائح جميع انواع المخدرات وهى تنبعث من كل مكان. الاضاءة فى المكان خافتة والطرق ضيقة وبعضها ترابى والطوابير على المخدرات ممتدة.

المكان ليس مخصصا للمخدرات فقط ففيه العديد من الانشطة الشبابية المتمردة اضافة إلى بعض المحلات التى تبيع الطعام والمشروبات.

غالبية العاملين فى المكان يقيمون فى مساكن مبنية على اطرافه وسعر ايجارها زهيد اما المترددون عليه بكثرة فهم مواطنون وسائحون من كل الاجناس والاعراق وبنظرة فاحصة يمكن للزائر ان يلاحظ العشوائية فى كل شىء وقلة النظافة مقارنة بما هو موجود فى جميع انحاء العاصمة التى زرناها انا ومجموعة من الزملاء الاعلاميين بدعوة من المعهد الدنماركى للحوار الاسبوع الماضى.

وقبل ان ينبرى «الاخلاقيون» ويتحدثون عن هذا المجتمع المنحل الذى يترك المدمنين يعيثون فسادا فى المدينة اسارع فأنصحهم بالتريث فقد سألت مرافقى الدنماركى نفس السؤال باعتبارى «صعيدى حمش ودمى حامى». قال مرافقى ان السلطات تركت هذا المكان ليصبح متنفسا للناس لكن تحت عيونها المنتشرة فى كل مكان. السلطة تعتقد ان هذا المكان أو الكميونة يمنع بلاوى كثيرة. بل ان بعض المتمردين داخله بدأوا يصبحون منتجين وبعضهم مثلا يقوم بصناعة الدراجات وسعر بعضها يزيد على ١٨ ألف جنيه مصرى وتستخدم فى السفر عبر البلدان الأوروبية.

مرافقى الأوروبى قال ان الحكمة من هذا المكان تجعل من يريد التمرد يحقق هدفه تحت عيون المجتمع فهو اما ينبسط ويستمر فى هذا التجمع الافتراضى أو يعود لمجتمعه الطبيعى مرة اخرى وبصورة افضل.

انتهت جولتنا وغادرنا المكان بعد ان نجحنا فى التقاط صور فقط لبوابة الخروج. وعند هذه اللحظة طرح البعض عدة اسئلة ساخرة منها اذا كانت هذه التجربة ناجحة وتمنع اعمالا اجرامية واسعة النطاق فلماذا لا تدرس حكومتنا مشروعات مماثلة؟.

بالطبع لا يقصد الذين طرحوا السؤال توزيع المخدرات داخل هذه المشروعات بل ان تعطى الحكومة لبعض الجماعات غير المتكيفة مع المجتمع مساحة فى منطقة صحراوية بعيدة وتتركهم يقيمون مجتمعهم الخاص هناك وفائدة هذا الاقتراح انه اذا نجح سيريح المتمردين أو غير المتكيفين وسيريح المجتمع أيضا. هناك فى هذا المكان البعيد يستطيع أى تجمع ان يرفع ما يشاء من شعارات ويكتب ما يشاء من لافتات ويقيم ما يشاء من مشروعات وينجح مع نفسه اولا وبعدها يمكنه ان يستقطب الآخرين اما إذا فشل فوقتها يمكن لأصحابه ان يعودوا إلى المجتمع ويقبلوا العيش فيه طبقا لقوانينه. ما رأيكم فى هذا الاقتراح المجنون والمأخوذ عن التجربة الدنماركية والذى تفوح منه رائحة البانجو وجميع انواع المخدرات؟.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي