حدث أن عاصرت تجربة مرَّ بها مريض جاء لاستشارتى بعد أن عصفت بحياته إصابة فى العمود الفقرى إثر حادث سيارة. تسببت الحادثة فى إصابته بشلل نصفى أقعده عن الحركة، ورغم خضوعه لعلاجات مختلفة لم تتحسن أحواله إلا بقدر يسير. تضاعفت أزمته بظل من الاكتئاب ثقيل لم تسلم منه أسرته أيضا إلى أن حمل له أحد أصدقائه خبر العلاج بالخلايا الجذعية لدى أحد الأسماء الشهيرة. لم ينتظر مشورة أحد بل توجه مباشرة للقاء الطبيب الذى ــ والحق يقال ــ صارحه بأن العلاج فى دور التجريب لكنه ومن عيادته حقق معجزات!!
بدأ العلاج الذى كانت تكلفته كل مدخرات المريض الذى انتهى به الأمر إلى فقدان الأمل فى الشفاء والطب والأطباء.
أقص تلك القصة اليوم لأعاود الحديث عن العلاج بالخلايا الجذعية. الواقع أن استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض يعد تقنية واعدة ينتظر لها مستقبلا مدهشا فى مجالات التجديد الطبية. لكن الحقيقة أنها تقنية تتطور ببطء، نظرا لتعقيداتها الكثيرة وتشعب تفاصيلها. حتى الآن لم يعلن بصورة علمية قاطعة عن نجاح تجربة يمكن أن تتكرر فى هذا المجال.
ما جعلنى أعاود الحديث هو ما نشرته الدورية العلمية نيوانجلاند New England Journal of Medicine فى عدد شهر سبتمبر عن تلك العيادات التى تبيع الوهم فى الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها. الدراسة أعدتها جامعة كاليفورنيا عن طبيعة عمل تلك العيادات التى تعمل وتلقى رواجا كبيرا رغم أنها لا تخضع لرقابة وكالة الغذاء والدواء الأمريكية، ولا تجرى أبحاثا علمية لمتابعة تلك العلاج، وتستخدم لغة تحاول صبغتها بالعلمية لكنها لا تفيد إلا فى الترويج لمجرد الشك فى أن النجاح ضوء فى نهاية نفق تلك الأمراض التى غالبا ما تكون قاسية وخطيرة.
إذن فالأمر ليس قاصرا علينا إنما هو ككل مساوئ حضارة الغرب ومنها العلمية قد وصلت عدواه إلينا.
فى أمريكا وأوروبا الحكومات وإن دعمت تجارب الخلايا الجذعية فإنها فى ذات الوقت لا تدرجها كعلاج فى برامج التأمين الصحى. نظرا لأننا لا نملك برنامجا للتأمين الصحى فإن محاصرة تلك الممارسات التجارية فى المراكز الطبية الوهمية يستدعى جهدا يبدأ بالنظر فى أمر تأهلها مبدئيا لأن تكون مراكز بحثية معتمدة لا يعلن عنها على وجه الإطلاق على أنها مؤسسات علاجية.
يجب أن نسن لها قانونا خاصا ينظم العلاقة بين المركز والأطباء من جهة والمريض والدولة من جهة أخرى.
بمعنى أن تتولى الدولة الإشراف الكامل على تلك المراكز البحثية وأن تجد سبيلا وميزانية لدعم عملها واستمراره.
وأن يعامل المريض الذى يقدم على خوض التجربة على أنه متطوع. ذلك يمنح المريض مساحة حقيقية من الأمل فى الشفاء، ويدعم ثقة الطبيب فى علمه إذا توافرت لديه الرغبة فى أن يكون عالم،ا بعيدا عن فنون التجارة وشطارتها. فلا يبيع مجرد الشك فى الأمل!