رددت كلمة فى الأسبوع الماضى لصديقة أثيرة لدى أعجبتنى يوما للكاتب الروائى الروسى الأشهر «تولستوى»: «كن طيبا واحرص على ألا يعرف أحد أنك طيب».
فسألتنى وكيف يحدث ذلك؟ فكان ردى: يا عزيزتى.. الطيب منا يعامله من حوله على أنه ومعذرة فى الوصف «عبيط»، لذا يجب أن يتصرف الطيب بذكاء ليحول طيبته إلى عمل الخير بلا إعلان عنه. هذا فى الواقع ما تصورته حتى قرأت عن تلك الدراسة الإنسانية النفسية البديعة التى أجرتها جامعة ساسكى الإنجليزية ونشرت نتائج لها حققها فريق من باحثيها فى الدورية العلمية المرموقة «نيورو اميدج» «Neuroimage».
أكدت الدراسة حقيقة وجود «وهج دافئ» للطيبة الإنسانية خاصة لدى الإنسان الذى لا يتصنع الطيبة أو يحقق منها استفادة خاصة به إنما تأتى من داخله بتلقائية لا تتغير وفقا للمواقف أو الوقائع الذى يعيشها أو يعاصرها.
النتيجة بلا شك تمس القلب وتحيى فى النفس أملا فى أن تعود قيما وأخلاقيات غابت ملامحها من مجتمعاتنا الشرقية والغربية على حد سواء. كيف إذن حققوا تلك النتيجة التى بلا شك تتحيز لها كل نفس تواقة للمثالية؟
اعتمدت الدراسة على دراسة صور مختلفة للمخ لدى ألف شخص حينما يتخذ الإنسان قرارا تلقائيا يتسم بالإنسانية الخالصة التى لا يستفيد منها هو بل يأتى القرار لمصلحة الغير والمجتمع حوله دون أى عائد مادى عليه، وبين سلوك ذات الأشخاص وهم يتصرفون بلطف وطيبة ولكنهم ينتظرون الجميل أو ما وصفته الدراسة «بالطيبة الاستراتيجية» والطيبة التى يبذلها الإنسان وهو يوظفها لغرض ما يسعى للحصول عليه.
فى دراسات نفسية سابقة لمعنى الطيبة والكرم لدى الإنسان جاء ذكر أن الكرم ينشّط مراكز فى المخ أطلق عليها علميا شبكية المكافآت، لكن فيما أعلم أن تلك الدراسة أول من يذكر العلم فيها أن هناك طيبة الإيثار والطيبة الاستراتيجية.
تؤكد الدراسة أن شبكة المكافآت فى المخ إنما تكون فى أكثر حالاتها نشاطا وتوهجا تزامنا مع فعل «طيبة الإيثار»، الأمر الذى يترجم بتصاعد استهلاك الخلايا للأكسجين فى تلك اللحظات. ولا يقتصر الأمر هنا على نشاط «شبكة المكافآت» بل يتعداه إلى تنشيط بعض مناطق المخ الأخرى، الأمر الذى يمكن ترجمته إلى أن المخ يعمل بطرق أخرى أو «وهج» أعلى عندما يتخذ الإنسان قرارات تعلو فيها قيم «الإيثار» وتفضيل النفع العام على المنفعة الخاصة.
حتى حينما يؤثر الإنسان «الطيبة الاستراتيجية» فيمد يدا مفتوحة وهو ينتظر ردا مماثلا فإن الوهج يظل باقيا وإن بدا «الوهج» أقل لكن شبكة المكافآت تظل تعمل لصالح العمل الطيب وإن كان الفعل «للطيبة الاستراتيجية».
الواقع أن سعادتى بتلك الدراسة النفسية ونتائجها الإيجابية التى تثبت أن العالم ما زال أرضا طيبة صالحة لبذور الخير مضاعفة: المرة الأولى لأننى أجيب بصورة علمية على سؤال صديقتى الدكتورة سمية عبدالقادر، أما الثانية فلأنى ــ عزيزى القارئ ــ أظن أننى قد قدمت اليوم صورة متفائلة تناسب تماما عنوان مقالى الأسبوعى «صباح الصحة والسعادة» بعد أن تكررت فيه صور كنت أحاول دائما تجنبها لكنى دائما كنت منها مستهدفة.
صباحا إن شاء الله سعيدا على
كل الطيبين فى مصر.