وضعت جنوب إفريقيا بمقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين العديد من الدول والبلدان الداعمة لتل أبيب وتلك الصامتة على جرائمها، فى موقف لا تحسد عليه، فى ظل تصاعد أعداد الشهداء فى صفوف المدنيين فى قطاع غزة، والذين تخطى عددهم حاجز الـ 22 ألف شهيد مع دخول العدوان الإسرائيلى شهره الرابع.
وفى انتظار عقد محكمة العدل أولى جلساتها فى مدينة لاهاى بجنوب هولندا، الخميس المقبل (11 يناير الحالى)، تمعن تل أبيب فى تصعيد عدوانها وتوسعة الجبهات بعملية اغتيال مفضوحة للقيادى الفلسطينى البارز صالح العارورى فى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، بالتزامن مع تفجيرين كبيرين أوقعا عشرات القتلى فى مدين كرمان الإيرانية قرب قبر القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليمانى خلال إحياء الذكرى السنوية الرابعة لاغتياله، وهما التفجيران اللذان اتهمت طهران عملاء إسرائيل وأمريكا بالوقوف وراءهما.
اليوم تجد الحكومة الإسرائيلية ووزراؤها المتطرفون وجنرالات جيشها من قتلة الأطفال والنساء أنفسهم فى مأزق يقود إلى طريق سيعرى عنصريتهم وساديتهم التى وصلت إلى الدعوة لضرب غزة بقنبلة نووية، ووصف الفلسطينيين بالحيوانات، والعمل على تهجيرهم قسرا، بعد تحويل منازلهم إلى ركام بالقصف المتعمد، وحرمان المدنيين العزل من الماء والطعام ومنع تدفق المعونات الإنسانية إليهم.
الخطوة الجنوب إفريقية التى وضعت الاحتلال فى قفص الاتهام بالإبادة الجماعية، فجرت خلافات عميقة بين الوزراء المتطرفين فى حكومة بنيامين نتنياهو أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ومن على شاكلتهما وبين رئيس أركان الجيش هرتسى هليفى، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة قبل أيام على خلفية تشكيل الجيش فريقا خارجيا من الجنرالات المتقاعدين للتحقيق فى سلسلة الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية، التى رافقت هجوم «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى، وما تبعه من عدوان على غزة.
ووفقا لما سرب عن اجتماع الحكومة المصغرة فإنه بعد تقدم جنوب إفريقيا بشكوى ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى، بتهم ارتكاب جرائم إبادة فى غزة، قرر رئيس الأركان الإسرائيلى الإسراع فى تعيين «لجنة تحقيق خارجية» للنظر فى أسباب فشل الجيش والاستخبارات باعتبار أن هذا التعيين «سيساهم فى إقناع المحكمة بأن إسرائيل دولة قانون وتجرى تحقيقات نزيهة بنفسها»، وهو ما أثار حفيظة الوزراء المتطرفين فى الحكومة.
ولأن المجرم ومن على رءوسهم بطحات فى حكومة اليمين الإسرائيلى المتطرف يخشون المساءلة فقد اعتبروا «بدء التحقيق الخارجى مع الجيش قد يؤدى إلى مطالبة وزراء بالشروع أيضا فى تشكيل لجنة تحقيق حكومية، وهو الأمر الذى سيقود إلى تعجيل عملية مساءلة المسئولين وقد يدفع بعض كبار المسئولين إلى الاستقالة».
السجال وحدة النقاش وبل التهكم على رئيس الأركان الإسرائيلى، واتهام الجيش بالمسئولية عن الإخفاق فى صد هجوم المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر، والصراخ الذى لجأ إليه الوزيران المتطرفان بن غفير وسموتريتش، كان وراء فشل اجتماع للحكومة الإسرائيلية المصغرة استمر لنحو ثلاث ساعات وكان يفترض أن يتناول ما سيحدث فى «اليوم التالى» لما بعد العدوان على غزة، استجابة لضغوط أمريكية.
اعتقد نتيناهو وأركان حكمه من وزراء اليمين المتطرف أنهم سيفلتون من جرائمهم العنصرية وعمليات القتل الوحشية والتطهير العرقى التى تمارس بحق الفلسطينيين من عشرات السنين، وظنوا أن جرائمهم يمكن أن تمر هذه المرة، كما مرت من قبل، لكن الإبادة الجماعية وتصريحات المسئولين الإسرائيليين الداعية لتهجير الفلسطينيين قسرا، يبدو أنها ستكون أمام اختبار جاد فى لاهاى، أقله تثبيت أركان الجريمة بحق كيان غاصب، وحلفاء أمريكيين وأوروبيين متواطئين مع جرائم ضد الإنسانية لا سبييل لنكرانها.
يبقى أن العرب وجامعتهم، وهم أصحاب الحق الأصيل فى الدفاع عن الفلسطينيين، مدعوون إلى تقديم يد العون والمساعدة لجنوب إفريقيا التى بادرت بجرجرة الحكومة الإسرائيلية إلى قاعة محكمة العدل الدولية، وبما يضع الاحتلال وكل المتواطئين معه فى دائرة الاتهام بجرائم الإبادة الجماعية.