مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى.. ملاحظات شكلية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى.. ملاحظات شكلية

نشر فى : السبت 8 فبراير 2020 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 8 فبراير 2020 - 8:40 م

ما زالت آثار ما أسماه البعض بالمناظرة بين شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب وبين رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت فى مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى، لها آثار على الحوارات العامة على مواقع التواصل الاجتماعى بين الشباب والمثقفين والأكاديميين والمهتمين بالشأن العام. ورغم أنها لم تكن مناظرة بالمعنى المفهوم للكلمة، فقد كانت نقاشا أو محاورة أو على أقصى تقدير مساجلة محدودة، إلا أن تسييس هذا النقاش من ناحية وديناميات مواقع التواصل التى تبحث عن الإثارة وتسجيل النقاط قد أضفت عليه ما ليس فيه وحوّلته إلى مباراة لكرة القدم وقف المشجعون المتعصبون لكل فريق يحتفلون بنصر وهم على الفريق الآخر، وهو ما غيب المضامين الأهم فى هذا النقاش!
والحقيقة، أن هذا النقاش – والذى ورد فى الجلسة الخامسة ــ لم يكن المضمون الأهم أو الوحيد فى مؤتمر الأزهر العالمى، فمحاور الجلسات السبع للمؤتمر بالإضافة إلى الجلستين الافتتاحية والختامية التى تلا فيها شيخ الأزهر التوصيات جاءت بما هو أهم بكثير، للنقاش والجدال حول الموضوع الشائك دائما فى مصر والعالم العربى ألا وهو موضوع التجديد فى الخطاب الإسلامى!
***
وقبل أن أناقش فى مجموعة من المقالات محتوى هذا الموضوع، لابد هنا من تسجيل ثلاث ملاحظات هامة شكلية وملاحظة أخرى لغوية، تتطلبها الحيادية المفروضة فى مثل هذه النقاشات قبل مناقشة المحتوى، الملاحظة الأولى أنه من الأمور المحمودة للأزهر الشريف فى السنوات الأخيرة تنظيم عدد من المؤتمرات الدولية بشكل دورى ووضع قضايا متعددة على أجندة هذه المؤتمرات، ذلك أن هذا هو بالضبط أحد أهم أدوار الأزهر الشريف، استضافة مواضيع عامة والنقاش فيها من أرضية أزهرية، ففى عام ٢٠١٧ نظم الأزهر المؤتمر العالمى للسلام، ثم فى عام ٢٠١٨ نظم الأزهر المؤتمر العالمى لنصرة القدس، ثم كان مؤتمر هذا العام، وأتمنى أن تستمر هذه المؤتمرات بشكل دورى خلال الأعوام القادمة وأن تتنوع موضوعاتها دائما.
أما الملاحظة الثانية على هذه المؤتمرات الأزهرية فهى طبيعة الحضور والمشاركين فى النقاشات، فهى لا تتوقف على علماء الدين الإسلامى، لكنها تتسع للاستماع إلى مداخلات رجال الدين المسيحى من الطوائف المسيحية المختلفة، والمثقفين وبعض السياسيين والشخصيات العامة، والأكاديميين والإعلاميين بالإضافة إلى تمثيل معقول للمرأة (المحجبات وغير المحجبات)، وهذه كلها إيجابيات، ذلك أن تنوع خلفية ونوع «جندر» المشاركين أمر مطلوب وضرورى فى عملية الانفتاح التى نطلبها من مؤسساتنا الدينية بحيث لا تكون فى جزر منعزلة عن التطورات الفكرية الإقليمية والعالمية والتى لابد من تفهمها والاستماع لها من خلفيات ومنابر متنوعة وتوفير الأزهر الشريف منصة لاستضافة هذه الخلفيات بتنويعاتها هو أمر مشجع ومبشر للغاية.
ثم تأتى الملاحظة الثالثة والمتمثلة فى إتاحة النقاشات للجمهور العام، فرغم أن معظم التعليقات العامة بخصوص المؤتمر تركز على لقطة أو اثنين، إلا أن جميع جلسات المؤتمر متاحة على صفحة الأزهر الرسمية على موقع «يوتيوب» والتى تحمل اسم Alــ Azhar Al ــ Shareef وعليها كل جلسات المؤتمر بالتفصيل، وإن كنت فشلت فى إيجاد الأوراق والمداخلات الخاصة بالمؤتمر مكتوبة، لعدم تمكنى من الوصول إلى الصفحة الرسمية للأزهر على الانترنت حيث لم تكن متاحة خلال محاولتى الدخول عليها يوم الجمعة ٧ فبراير، ولكن ربما كان ذلك عطلا مؤقتا. إتاحة الجلسات ومحتواها بالإضافة إلى التعقيبات والنقاشات التى تلى كل جلسة هو أمر هام للباحثين الجادين عن الاشتراك فى النقاش العلمى المنهجى حول موضوعات النقاش بعيدا عن محبى تسجيل اللقطات والنقاط السريعة سلبا أو إيجابا مما لا يفيد ولا ينفع جديا فى مناقشة الموضوعات الهامة ولاسيما تلك المتعلقة بقضية حساسة مثل قضية تجديد الخطاب الدينى.
أما الملاحظة الوحيدة المتعلقة بلغة المؤتمر فهى أن لغة الخطاب فى مداخلات المشاركين المصريين ومن بينهم فضيلة الإمام الأكبر، وممثلو الهيئات الدينية فى دول الخليج العربى يغلب عليها الطابع الدفاعى والمفردات القديمة دائما، مثل الحديث المتكرر عن المؤامرات، أو محاولات هدم نسيج الأمة، أو التربص، بالإضافة إلى اللهجة الحادة ولغة الجسد المتحفزة والتى عادة ما يعقبها تصفيق حاد مبالغ فيه من الحضور لا يتناسب أبدا مع طبيعة المؤتمر العلمية! بينما جاءت مداخلات ممثلى الهيئات الدينية فى دول الشمال الإفريقى بالإضافة إلى ممثلى الدول الإسلامية غير العربية بلغة أكثر وثوقا، وأقل صخبا، غير متحفزة، لا تسعى دائما لمناقشة الأغراض الدفينة من وراء الكلام أو الأطروحات، تصل إلى الفكرة المراد إيصالها أو الحديث بخصوصها بسلاسة شديدة للغاية وبشكل مباشر ومبسط. صحيح أن هذه الملاحظة لا يمكن تعميمها أبدا فهى تظل متعلقة بجلسات هذا المؤتمر فقط، حيث لم يتسن لى مشاهدة جلسات باقى المؤتمرات التى عقدت فى السنوات الماضية، لكن أظن أن الملاحظة تظل مؤشرا ولو مبدئيا عن طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية فى مصر ودول الخليج العربى والتى تجعل المزاجات حادة، واللغة دفاعية، والمحتوى متحفزا، حيث الأفكار تناقش النيات والأغراض المفترضة لا المحتوى المباشر، وهو أمر يعيق دائما التواصل بين الأطراف المعنية بقضية التجديد فى الخطاب والفكر الإسلامى على نحو يجعلها أحيانا قضية صفرية، أو منبرا لتسجيل المواقف السياسية مع وضد بعيدا عن الهدف الحقيقى من وراء النقاشات.
وأخيرا، واتساقا بالنقطة سالفة الذكر، فإننا – فى مصر تحديدا والدول العربية عموما ــ ومن حيث المبدأ، أمام فريقين لديهما تصورات مواقف محسومة مسبقا عن قضية التجديد، الفريق الأول يرى أن هناك مؤامرة على الإسلام وأن هذه المؤامرة من خلال أطراف خفية تحاول استخدام قضية «التجديد» لتغيير ثوابت الدين الإسلامى والتلاعب بنسيج الأمة سعيا نحو هدمها وهو ما قاله فضيلة الإمام الأكبر فى أكثر من موضع وبطرق مختلفة كلها حملت نفس المعنى، متغاضيا عن أنه لا يمكن معاملة كل المطالبين بالتجديد وكأنهم فريق واحد متآمر على الإسلام وهو قطعا أمر مبالغ فيه وغير دقيق على الإطلاق، وفريق آخر يتسم بالتشنج بخصوص قضية التجديد ويقدم تصورات مبتسرة ومنزوعة من سياقها بخصوصها معتبرا أن التجديد هو «قرار» تتخذه السلطة وتنفذه هكذا ببساطة! يمثل هذا الفريق بعض «المتنورين» الذى يحملون تعصبا غير مفهوم تجاه الإسلام بحيث لم نعد نعرف هل بالفعل مشكلتهم مع فهم النصوص وتفسيرها أم مع النصوص نفسها والدين الذى يحملها، هذا الفريق يتغافل عن حقيقة هامة وهى أن التجديد هو جزء من كل، هذا الكل يمثل إصلاحات جذرية سياسية واجتماعية وثقافية مطلوبة فى المنطقة بأثرها، فلا يمكن أن تكون من المصفقين للسلطوية السياسية وفى نفس الوقت من المطالبين بالتجديد الدينى! فتلك مواقف متناقضة وتعبر عن تحيزات ورؤية ضيقة وذاتية لقضية التجديد الدينى.
***
فى مجموعة من المقالات القادمة سأحاول التعليق وإبداء بعض الملاحظات على محتوى ما ورد فى هذا المؤتمر الهام من خلال مناقشة محتوى الجلسات، ملتزما بثلاث نقاط منهجية محددة، الأولى أن ملاحظاتى لن تناقش النيات والقصد غير المباشر من وراء الكلمات، ولكنها ستناقش المحتوى بشكل مباشر، الثانية أن هذه الملاحظات ستتناول قضية التجديد باعتبارها مصلحة عامة للمجتمع والدولة والدين والأفراد وبالتالى فليس صحيحا على الإطلاق أنها قضية تخص «المتخصصين» فقط، فهى قضية تهم كل من يجمعهم الإطار الحضارى للإسلام بما فيهم غير المسلمين لأنهم يتأثرون سلبا وإيجابا بأى تطور للخلف أو للأمام فى هذه القضية، والنقطة الثالثة والأخيرة هى أن اشتباكى هذا لن يكون مسيسا، ولن يسعى إلى تسجيل النقاط السياسية مع أو ضد الأزهر، فقط مناقشة القضية ومحتواها المباشر لتحقيق الهدف العام كما أوضحت سلفا.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر