هناك أكثر من طريقة للتعامل مع المصريين العاملين بالخارج، الأولى هى أن نعاملهم بأفضل طريقة ممكنة وهذا هو الأمر الواجب والصحيح، أو أن نعاملهم بأسوأ طريقة، وهذا هو الأمر الخاطئ تماما، وبين هذه وتلك هناك طرق كثيرة متعرجة ورمادية.
فكرة هذا المقال خطرت فى ذهنى وأنا أتابع النقاش المهم داخل الجلسة العامة لمجلس الشيوخ ظهر يوم الإثنين الماضى برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق بشأن طلب المناقشة العامة الذى تقدمت به النائبة هيام فاروق بنيامين بعنوان «استيضاح سياسة الحكومة بشأن السياسات التحفيزية للمصريين بالخارج».
حسب طريقة تعاملنا مع هذه الفئة المهمة يمكن أن نجعلهم كنزا لصالح بلدنا، أو نخسرهم بصورة تضرب الاقتصاد القومى فى مقتل، بل وتجعل صورة الحكومة تهتز فى نظرهم.
كل من تحدث فى جلسة مجلس الشيوخ كانت نيته حسنة والنوايا الحسنة وحدها لا تكفى!
النائبة مقدمة الطلب هيام فاروق قالت إن الدولة اعتبرت المصريين بالخارج جزءا محوريا فى عملية التنمية، لكنها تساءلت عن فاعلية آليات وزارة الهجرة فى التواصل معهم وحل مشكلاتهم.
أما الدكتور عبدالمنعم سعيد فحذر من التوجه لدولرة الاقتصاد المصرى فى ظل الضغوط النقدية التى تواجه الجنيه المصرى. سعيد قال إن الجنيه هو رمز مصر، والأساس أنه حينما يكون بحالة اقتصادية جيدة وفرص اقتصادية كبيرة داخل مصر، سيكون المصريون بالخارج أصحاب إسهامات قوية.
سعيد التقط فكرة جوهرية وهى أن عرض أمور المصريين بالخارج من خلال أفكار مثل تسهيلات استيراد السيارات مسألة مشكوك فى دستوريتها لغياب المساواة، وعلق المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المجلس بأن الحفاظ على الجنيه المصرى أمر يستحق البحث والنقاش لكن هناك واقعا يجب التعامل معه.
أما السفير عمرو حلمى، فقد طالب بضرورة خفض رسوم المعاملات القنصلية للمصريين بالخارج، وضرورة البحث فى كيفية سرعة استخراج جوازات المصريين بالخارج وبحاجة ماسة إلى تنسيق هائل بين البنوك المصرية ونظيرتها الأجنبية فيما يتعلق بتحويلات المصريين بالخارج.
واعتبرت النائبة سما سليمان وكيل لجنة الشئون الخارجية والعربية والإفريقية ربط وجذب المصريين بالخارج إلى وطنهم مسألة أمن قومى، وانتقدت النائبة، الخطوات الحكومية البطيئة تجاه بعض المشكلات التى تواجههم بالخارج.
النائبة طالبت باستيضاح بعض السياسات والمبادرات مثل توفير شهادات استثمار بعوائد متميزة لمصريين بالخارج والداخل، أو منح تخفيضات من شركة مصر للطيران لهم، وكذلك ما يتعلق بمبادرة «اتكلم عربى»، وما هى المحددات والمميزات لقانون استيراد السيارات؟.
ومن الواضح أن غالبية النقاشات بشأن العاملين فى الخارج تنحصر تقريبا منذ عقود طويلة فى كيفية حصول الحكومة منهم على أعلى نسبة ضرائب أو رسوم أو جمارك، لكن أظن أن غالبية الحكومات لم توفق فى كسب ثقة معظم هؤلاء العاملين بصورة صحيحة.
قانونيا، من حق الدولة أن تفرض ما تشاء من سياسات طالما كانت توافق المنطق والظروف وتحقق الهدف منها، لكن حينما يشعر هؤلاء العاملون بأن الهدف الوحد هو استنزافهم ماليا، فقد يؤدى ذلك لعواقب خطيرة.
ظنى أن التفكير فى استراتيجية وطنية متكاملة للتعامل مع المصريين بالخارج صارت مسألة ملحة ومهمة، وإلا قد نضطر إلى مواجهة مشاكل كثيرة فى المستقبل تخص هذا الملف.
ولا يخفى على أحد أن هناك منافسات إقليمية محتدمة على كسب ثقة كل من لديه مدخرات، وبالتالى علينا أن نكون منتبهين تماما لهذه النقطة.
أتمنى أن تتشكل لجنة قومية للبحث فى سبل التعامل مع هذه القضية، بحيث لا يكون عنوانها الوحيد هو الحصول على أكبر قدر ممكن من فلوس المصريين بالخارج. لأن غالبية المصريين يحولون مدخراتم إلى وطنهم، وهجرتهم مؤقتة وليست دائمة.
وبالتالى فإن هذه الدجاجة التى تبيض ذهبا، يزيد عن ٣٠ مليار دولار سنويا، لا ينبغى أن نعرضها لأى خطر، ناهيك عن أن نذبحها!!.
ليس عيبا أن ندرس كيف تتعامل غالبية الدول مع جالياتها خصوصا التجربتين الهندية والفلبينية، ليس فقط لعمالتها فى الخليج، بل فى أوروبا وأمريكا أيضا.
علينا ألا نركز على هدف سهل وعاجل رغم أهميته، وهو الحصول على أكبر قدر من العملة الصعبة، فى حين نهمل الهدف الأكبر والأهم، وهو استمرار هذه العمالة وتعزيز دورها وتسهيل أمورها ومساعدتها فى حل مشاكلها.
وعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما وهو: ماذا لا قدر الله لو تعرضت هذه العمالة وتحويلاتها لأخطار مختلفة سواء بفعل قرارات داخلية مصرية أو قرارات من البلدان التى تعمل فيها؟!