عفوا شيخ رفاعة لا نريدك فى البرلمان - صلاح ابو الفضل - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 6:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عفوا شيخ رفاعة لا نريدك فى البرلمان

نشر فى : الجمعة 8 مايو 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 مايو 2015 - 8:50 ص

ذات مرة منذ أعوام خلت كنت فى زيارة للقاهرة، وأخذنى صديق لمعاينة سيارة كان يريد شراءها وقدمنى لبائعها كصديق يعيش فى الخارج، وحين رأينا السيارة خطر لى أن اسأل البائع كم كيلو مترا قطعتها السيارة، وهى أبسط طريقة لتحديد مدى جودتها، واستغرب البائع السؤال ولم يعلق لكنه انتحى بصديقى جانبا وهمس له قائلا «دعك يا أستاذ من هؤلاء القادمين من الخارج فهم (موسوسين) وليس منهم غير وجع الدماغ»، يومها ضحك صديقى وقال لى بعدها «هكذا ينظر الناس هنا لكم يا بتوع الخارج».

وكثيرا ما أتذكر هذه القصة كلما سمعت كلاما عن المصريين بالخارج، وهو تعبير له دلالات كثيرة غير مريحة أهمها أنهم لا تراد منهم العودة ولا ترجى لهم المشاركة، وحسنا يصنعون لو ظلوا هناك بالخارج ينعمون بالحياة الرغدة، يريحون ويستريحون.

وتذكرتها أخيرا عندما شرفت بحضور أحد لقاءات السيد رئيس الوزراء بالقوى السياسية لمناقشة تعديلات قانون الانتخابات بعد حكم المحكمة الدستورية، وجرحنى بشدة صياح بعض الحاضرين ضد مساواة مصريين الخارج بإخوانهم فى المواطنة، وبالذات عندما استعرت صيحاتهم تزعم أن ازدواج الجنسية هو دليل ازدواج الولاء للوطن، وأنه مدخل للتجسس، وحذر بعضهم من خطر دخول من يحمل جنسية إسرائيلية أو أمريكية إلى البرلمان أو الحكومة فينهار الوطن ويضيع.

لم أحزن للتجريح والإهانة بقدر ما أحزنتنى السطحية فى التناول والتجهيل المتعمد، وقد كانت المصيبة مزدوجة تماما كازدواج الجنسية المتهمة، إذ تناسى المخرصون أن عمليات الترشح للبرلمان ومناصب الدولة لا تتم عشوائيا بل يخضع كل من يتقدم للعمل العام فى عصرنا الحديث لعمليات فحص وإجراءات تدقيق رسمية وغير رسمية تتيح قدرا عاليا من الشفافية. ونسوا أن نهضة مصرالحديثة جاءت نتيجة للموجات المتعاقبة لبعثات الشباب المصرى للخارج فى القرنين الماضيين.

***

ولو كان رفاعة الطهطاوى رائد التنوير فى عصرنا الحديث حيا بيننا لربما وجد كثيرين ممن ينكرون عليه واجب المشاركة فى الحياة السياسية ويضيقون ذرعا بنصائحه عن باريز وتخليص الإبريز، فهو ممن يمكن أن يطلق عليهم تعبير المصريين فى الخارج. ومثال ذلك الدكتور طه حسين رائد العقلانية والحداثة وصاحب صيحة التعليم كالماء والهواء، كان سيواجه موقفا أكثر حدة فهو ليس فقط من المصريين فى الخارج ذوى الأفكار المرهقة والدعاوى المقلقة، لكنه كان أيضا ممن ارتكبوا خطيئة الزواج من فرنسية ولابد لمثله فى عصرنا أن يكون قد سعى للحصول على الجنسية الفرنسية، ليتمكن من السفر والتنقل وعليه فإن ولاءه لمصر كان سيعتبر منقوصا أو مشكوكا فيه وقبوله بالبرلمان كان سيحدث لغطا كثيرا.

ورغم أن المحكمة الدستورية العليا قد أنصفت أحفاد طه حسين من المصريين الذين اضطرتهم الغربة إلى الحصول على الجنسية الثانية كضرورة عملية للحياة فى الخارج إلا أن المواقف غير الرسمية من المصريين فى الخارج لاتزال سلبية مائعة وليس أدل على ذلك من أن بعض الجهابذة تفتقت أذهانهم عن حلول للالتفاف على حكم المحكمة الدستورية، إذ اقترح بعضهم أن المصرى الحاصل على الجنسية الثانية يجب أن يكون قد حصل على موافقة وزارة الداخلية قبل التقدم لها، وبذلك يمكن التخلص من معظمهم إذ لم يكن ذلك الشرط ذائعا أو معروفا من قبل. وهكذا تستمر لعبة الاستغماية بين الحرس القديم فى الدولة وبين رياح التغيير والتقدم التى هبت بها ثورة 25 يناير وأكدتها فى 30 يونيو.

هذا القصور فى نظرة بعض قوى المعارضة وبعض أجنحة النظام لقضية المصريين فى الخارج يعكس المشكلة الأوسع وهى أن العمل السياسى لايزال فى بداياته ومازالت تغلب عليه النزعات الفردية. وقد اتضح ذلك فى لقاء السيد رئيس الوزراء حيث كانت المداخلات أكثر من النقاش، وترددت آراء عديدة بعضها قيم ومنطقى وبعضها جاء مكررا وكأن المتحدث لم يسمع ما قيل، وكان واضحا غياب التنسيق بين المتحدثين حول حد أدنى من المطالب، وكان رئيس الوزراء يستمع بصبر لكنه كان واضحا أنه لن يستطيع الأخذ بكل الآراء.

وتبين لى لماذا لا تنصت الدولة رغم أنها تستمع كما قال الدكتور نور الدين فرحات، ولماذا لم تشكل القوى الوطنية المختلفة فى أى وقت من الأوقات أى كيان بديل يصلح للقيادة، ذلك لأنها تظل منقسمة ولا يوجد بين أجنحتها المختلفة رغبة فى التنسيق أو إحداث أثر مشترك عند السلطة.

وأدركت أيضا لماذا لا توجد رغبة حقيقية فى إشراك المصريين من الخارج، فالمجال مزدحم على حاله وليس فيه متسع لسفسطات جديدة أو وسوسات مستوردة حتى لو جاء بها رفاعة الطهطاوى نفسه، فالهدف لايزال بعيدا عن التقدم والنهوض. الهدف لايزال طموحات شخصية وانتصارات صغيرة بحجم حائزيها، ولهذا ستظل الحكومة، أى حكومة تنظر لقوى المعارضة بذات الاستخفاف المهذب لأنها بكل بساطة خفيفة فعلا.

***

وقد تأكد لى أن حدوتة المصريين فى الخارج لم تلمس خيال المشتغلين بالعمل العام بعد، وأنها مثل بقية شعارات الثورة تتحول تدريجيا إلى عبارات فضفاضة رنانة دون تأثير حقيقى. وأسرح بفكرى فى عدونا الصهيونى الذى تحتفظ دولته بأرشيف كامل عن كل يهودى فى كل بقعة من العالم تستعين بهم وتوظف خبراتهم كيفما تحتاجها. ثم أسرح بفكرى إلى حكومة بريطانيا التى استعانت بخبير كندى لإدارة بنكها المركزى لينقذ الإسترلينى ويقيل الاقتصاد من عثرته، ولم يصرخ أحد فيها عن ازدواج الولاء، وأتحسر وأتمنى، وأتذكر كيف اتخذ الرئيس السيسى عددا من مصريى الخارج كمستشارين ضاربا المثل لجهاز الدولة. لكن الجهاز العتيد لا يريد التعلم، والنخبة الموقرة لا تريد المزاحمة. فرجاء ياسيادة الرئيس ألا تيأس فالتغيير والتقدم هما أمل هذه الأمة.

صلاح ابو الفضل طبيب نفسى مقيم فى المملكة المتحدة
التعليقات