الفيل فى الغرفة هو تعبير غربى قد لا يوجد مقابل له فى الثقافة العربية، لكن معناه هو أصدق تعبير عن المجتمعات العربية وطريقة تعاطيها مع الكثير من مشكلاتها الملحة، التعبير يعنى ببساطة إغفال رؤية حقائق واضحة أمام أعيننا وتجاهل الحديث عنها أو مناقشتها رغم أن الجميع يراها ويشعر بها ويصطدم بها بشكل يومى فهى فى ضخامة الفيل ووضوحه إذا تم وضعه فى غرفة صغيرة، لكن يظل التجاهل والإنكار هى الطريقة التى يختارها الجميع للتعامل مع تلك المشكلات لأنهم ببساطة يفضلون الهروب عن مواجهة حقائق يظنونها أكبر من قدرتهم على المواجهة.. خلونا نطبق نفس المنطق ده على حقيقة «الاحتقان الطائفى» الموجود فى مصر.. أنا متأكدة إن ردود أفعالكم تجاه التعبير نفسه ستنقسم لأربعة أقسام.. البعض سيزوى ما بين حاجبيه على طريقة أدهم صبرى الشهيرة فى روايات رجل المستحيل.
والبعض الآخر ستتسع عيناه فى جحوظ كنبيل الحلفاوى فى الطريق إلى إيلات.. أما الأكثرية فسيبادرون للنفى التام والقاطع على طريقة مقدمى نشرة 9 مرددين تلك الجملة التى درسناها فى كل درس من دروس التربية الوطنية وشربناها مع كل كوب ماء من نيلنا الجميل ويحفظها أطفال الابتدائى أحيانا قبل أن يتمكنوا من حفظ أسمائهم وعناوين منازلهم.. مصر مافيهاش احتقان طائفى.. مافيش فى مصر إلا «وحدة وطنية» وقد يتحمس البعض ليقص علينا تاريخ ثورة 19 وشعارها يحيا الهلال مع الصليب ويختتم حديثه بغناء الأغنية الوطنية المؤثرة «ده كلام جرجس وعم نصر يبقى انت أكيد اكيد فى مصر».. لكن إذا كنت من الأجيال غير المحظوظة التى نمت وترعرعت على قراءة أخبار الحوادث كنوع من أنواع القراءة الترفيهية.. إذا كنت من المتعاملين مع مواقع الإنترنت.
إذا كنت تعيش فى إحدى قرى الصعيد التى سبق وأن مرت بحادثة من الحوادث التى خرج فيها عشرات من الأقباط يرفعون صليبا خشبيا احتجاجا على إسلام فتاة مسيحية وزواجها من مسلم أو عشرات من المسلمين يرفعون المصاحف احتجاجا على بناء كنيسة جديدة فى قريتهم، بالتأكيد ستدرك الحقيقة المرة وهى أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر هى دائما على بعد عود كبريت واحد من الانفجار.. تجاهلنا لتلك الحقيقة على مدار سنوات طويلة هى بالضبط ما ينطبق عليه تعبير «الفيل فى الغرفة».. إحنا ببساطة بنستموت فى نفى وجود أى حساسية أو احتقان وبنستشهد بالعلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين فى الطبقات العليا والمتوسطة.. لكن مع وجود إحصاءات تتحدث عن وجود 20 إلى 40% من سكان مصر تحت خط الفقر.. وإدراكنا أن الفقر والجهل فى الكثير من الأحيان وجهان لعملة واحدة.. وتزايد عدد حوادث العنف الطائفى فى السنوات القليلة الماضية وتفاقمها من مجرد نظرات مرتابة للطرف الآخر.. وشعور بالاضطهاد يدفع البعض لتكوين شعب داخل شعب ودولة داخل دولة.. إلى حوادث تتفجر بالغضب والعنف الذى يصل أحيانا إلى درجة القتل كرد فعل تجاه مشاكل عائلية أو خصومات شخصية أو أفعال تندرج تحت عنوان «طيش الشباب».. حان الوقت لندرك أن هناك مشكلة يجب علينا مواجهتها والتصدى لها لأن أولى خطوات التصدى لأى مشكلة هى الاعتراف بوجود مشكلة فى الأساس.. مافيش مانع من إقامة جلسات مصارحة بين اطراف من العقيدتين بعيدا عن موائد الإفطار والتهانى الرسمية المتبادلة أحيانا من وراء القلب.
مافيش مانع من وجود مادة دراسية لتشرح أوجه الاتفاق بين العقيدتين وبيان أن أوجه الخلاف بينهما لا يجب أن تتسبب بالضرورة فى عدم احترام أتباع إحداهما لأتباع الأخرى.. مافيش مانع من تكريس مفهوم المواطنة الكاملة لكل أبناء البلد عن طريق حملات قومية بدلا من حملات أخرى لحل مشكلات أقل خطرا من هذه المشكلة..
برامج توك شو.. دروس علنية.. كتب مقررة على المدارس.. بل حتى إذا وصل الأمر لإنشاء وزارة خاصة لهذا الشأن.. فالأمر يستحق.. سيرفض الكثيرون هذه الأفكار.. لأن الحديث عن تلك الأمور الحساسة يصنف تحت فئة «العيب» و«اللى مايصحش» بل وقد يصنف حتى تحت فئة «العبث بالوحدة الوطنية بين عنصرى الأمة».. وهى تهمة قد تؤدى بصاحبها لقضاء عطلته الصيفية «ورا الشمس».. لكن ألا تعتقدون أن الوقت قد حان على الأقل للاعتراف بوجود مشكلة حتى يمكننا بعدها العثور على الحل؟