ماذا كنتم تعتقدون بالله عليكم؟! أن النهايات السعيدة المبهجة فى الأعمال السينمائية، هى حقيقة واقعة، يخرج بعدها الأبطال من خلف الشاشات ويمارسون حياتهم كما يفترض بها أن تمارس؟
المقلق أن يصدق المشاهدون هذه الفرضية، خصوصا إن كانت تلك الأعمال الفنية قد حصدت جوائز وتكريمات عالمية. إنما المقلق أكثر أن ينجح صناع الأفلام الناجحة تلك فى إيصال رسالة بأن كل شيء على ما يرام!
ولنتحدث عن الأطفال مثلا، كنموذج مهم يسعى إليه منتجو الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية والتقارير الصحفية، ليكونوا أبطال أعمالهم المنوى إنتاجها. لن نذيع سرا، أو ربما نذيع، حين نقول إنه منذ البداية ثمة جهة أجنبية سوف ترعى هذا العمل فى غالبية هذه الأمثلة، وأخص بالذكر الأفلام المصنعة سينمائيا وتلفزيونيا، فالإنتاج عندها لا نقول سخيا ولكن على أسوأ الظروف مضمون.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الأعمال الفنية والإعلامية التى يكون أبطالها من الأطفال، خصوصا الذين يعيشون فى مناطقنا الساخنة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، على الأقل من وجهة نظر الأجانب، فإنها وبكل ثقة تحجز لنفسها مكانا متقدما فى ترشيحات المنافسات الدولية.
إذا، فالمسألة مرهونة منذ البداية فى المكاسب المادية والمهنية وفى الشهرة وفى توثيق الرغبة فى العمل وفى القبول بشروط الإنتاج حتى لو كانت على حساب القناعات، التى سوف تتحول تدريجيا إلى أفكار قابلة للسحب والإضافة.
شخصيا لست على خلاف مع من لم يجد لنفسه ولموهبته وطنا يؤويه ويحتضنه فيركض إلى الخارج ليفرغ طاقاته الإبداعية.
لكن لا يمكن إلا تشجيع مقاطعة كل من يستند كثيرا على نقطة الطفولة المعذبة، والسيناريوهات الأليمة التى تنتظر براءتهم، أو أن يخضع العالم الذى لا يعرف عنا إلا ما نصدره نحن له، لصدمة وجود الأطفال فى أماكن لا يتخيلونها وفى ظروف لا يعتقدون أنها مناسبة، من أجل دقائق تصفيق طويلة على خشبة مسرح الإطراءات، ثم يدير ظهره لرحلة الشقاء وتعب الأيام، ويبدأ ببناء القادم على صيت النجاح القائم، بدون الالتفات لمن هم حقا فى الصورة، ولو لم يوجدوا بعد حفلة التصفيق، بدون أن يتمسك بتلابيب القضية الكبرى؛ أخطار ومجازفات مثلما حدث فى فيلم ذيب، طفولة مشردة فى فيلك كفر ناحوم، الزواج المبكر وختان البنات، كما فى عشرات الأفلام المصرية والمغاربية.
كل هذا وإن أظهر الأطفال أبطالا خارقين، واشترط وجودهم وقت الاحتفال الكبير، وقدمهم على نفسه أمام العدسات والميكروفونات، لا يساوى أكثر من رمى حصى صغيرة فى بركة راكدة، تصنع حولها هالات مائية مبهجة ولكنها سريعة التلاشى.
لا أحد يمكنه أن يعتب على صناع فيلم «ذيب» بعد أن التقط الشاب حسين سلامة وهو ينقل سواحا بدون ترخيص. ولا على المخرجة نادين لبكى لأن أطفال فيلمها، الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان، كان قد رجعوا مجددا إلى الشوارع، ولا على صناع أفلام الاغتصاب والختان لأن الطفلات عدن ثانية لعهدن البائس بعد المونتاج، ولا على عشرات بل مئات التقارير التلفزيونية والوثائقية المعمولة على حس عذابات الصغار وأحلامهم المقتطعة من الحياة.
لكن بالله عليكم «فكونا» من لحن الإضاءة على القضية كدور خطير يقوم به الإعلام والفن، وهو أفضل من لا شيء. ودعونا من الحجج الواهية فى استحالة أن تصفق يد وحدها؛ ذلك أن الإعلام وتحديدا خلال السنتين الفائتتين قدم عرضا مذهلا فى كيفية ملاحقة «قضايا ما» إلى باب الدار وإغلاق الباب من ورائها، هذا إن صدقت النوايا، وطال النفس، وكان الإنتاج سخيا.
فلم لا تفعلونها من أجل الأطفال يا أصحاب المهام العظيمة والنوايا الحسنة؟!
حنان كامل الشيخ
الغد ــ الأردن