جوهر الخلاف العقائدى بين الأنبا شنودة والأنبا متى المسكين منذ أوائل الستينيات من القرن الماضى وحتى عام ٢٠٠٩ كان يدور بشأن أمور مهمة فى الديانة المسيحية، خصوصا قضايا مثل «تأليه الإنسان» و«النقد الكتابى والتشكيك فى صحة أجزاء من إنجيل مرقص»، و«دور الأعمال الصالحة فى نوال الخلاص» وحقيقة بعض العبارات الواردة فى إنجيل متى، وأخيرا مفهوم الوحدة مع الطوائف الأخرى. وكيفية الوصول أساسا إلى هذه الوحدة.
الأنبا متى المسكين تأثر بشدة بأقوال الآباء القدامى خصوصا أولئك الذين قرأ فكرهم مترجما من الإنجليزية، وتأثرت حياته تماما بقصص وسير قديسى الكنيسة القدامى، ولم يلتزم بالنصوص الحرفية وكان يعتقد أن الوحدة بين الكنائس يمكن تحقيقها ليس عن طريق الحوار ولكن عن طريق قديسى كل كنيسة وإلهامهم لبقية قادة الكنائس.
الأنبا شنودة ومن معه، رفضوا هذا الاتجاه تماما، وكانوا مؤمنين بالطريقة التقليدية، ويرون فى أفكار متى المسكين خروجا عن الأفكار التقليدية للكنيسة، ولذلك حينما تولى شنودة كرسى البابوية حرم تماما تدريس آراء وأفكار وكتابات متى المسكين، حتى وفاة الأخير عام ٢٠٠٦. بل وقام بنشر عشرات الكتب للرد على آراء وأفكار متى المسكين.
فى عام ١٩٩١ قال شنودة عن سر خلافه مع متى المسكين وأنصاره: «رهبان دير الأنبا مقار يتمسكون بأب من الآباء أكثر من الكنيسة كلها، ويطيعون هذا الأب أكثر مما يطيعون البابا والمجمع المقدس والأساقفة، فاحنا سايبينهم على راحتهم.. هنعمل إيه؟!
والمقطع الأخير ورد فى سياق تقرير مهم للزميلة كارولين كامل فى موقع «مدى مصر»، قبل أيام، إضافة إلى تفاصيل أخرى كثيرة ساعدتنى فى التجهيز لهذه السلسلة من المقالات.
لكن يظل الخلاف الأكبر، حينما وافق متى المسكين على تولى ادارة الكنيسة بعد قرار السادات عزل تلميذه شنودة ووضعه تحت الإقامة الجبرية، من ٩٨١ وحتى ١٩٨٥.
ومن الواضح أن هذا الأمر سبب قطيعة شاملة، لم تنتهِ إلا بوفاة متى المسكين عام ٢٠٠٦، وكان رأى شنودة المعلن فى متى المسكين هو: «أنه راهب أمين، لكن لا يدرك خطورة التعبير اللاهوتى الخاطئ».
وهناك رأى يقول إن شنودة كان إقصائيا، ويبعد كل من يخالفه الرأى، فى حين أن متى المسكين وتلاميذه، كانوا يقرأون اللاهوت القبطى من لغاته الأصلية، فى حين أن شنودة وتلاميذه كانوا يقرأون ذلك عبر لغات وسيطة.
حينما عاد شنودة لممارسة مهامه عام ١٩٨٥ بعد انتهاء إقامته الجبرية، عاد متى المسكين واعتكف بدير الأنبا مقار، وصار الدير مستقلا فكريا وإداريا عن الكنيسة، وصار الخلاف بين الاثنين معلنا وواضحا للجميع. للدرجة التى دفعت البابا شنودة للقول إنه «لا يوجد حب من طرف واحد»!. ثم دخل الاثنان فى حرب مفتوحة ميدانها الكتب واتهامات متبادلة بإفساد العقيدة.
توفى الأنبا متى المسكين عام ٢٠٠٦، وزار الأنبا شنودة دير الأنبا مقار بعد ذلك بثلاث سنوات عام ٢٠٠٩، وأنهى إلى حد ما تمرد هذا الدير ورهبانه من تلاميذ متى المسكين، وتم تخييرهم إما الطاعة للبابا شنودة، أو الاعتزال. وهكذا عادت صورة الأنبا شنودة فى كناس الدير، بعد أن منع متى المسكين رفعها، واضعا بدلا منها صورة المسيح باعتباره «الأسقف الكبير ورأس الكنيسة»!
مات شنودة عام ٢٠١٢، وجلس البابا تواضروس مع رهبان الدير أكثر من مرة، وكانت الانقسامات بين مدرستى متى وشنودة، قد وصلت إلى مرحلة صعبة.
وترشح لرئاسة الدير ثلاثة أسماء فاز من بينهم ابيفانيوس. وطبقا للكتابات القبطية فإن معظم المنتمين لمدرسة متى المسكين هم من صوتوا لصالحه، ويقال أيضا إن تواضروس طلب من الأنبا الجديد «لم شمل الدير»، بعد هذه الصراعات العنيفة.. لكن النتيجة أن الأنبا قتل داخل الدير، بدلا من أن ينجح فى لم شمله، وتبين لنا ان الصراعات كانت عميقة ودموية ولا تتعلق بالتبرعات أو الانشغال بالامور الدنيوية بل بقضايا فى صلب العقيدة.