كانت المرأة المصرية القديمة عماد المجتمع المصرى القديم، ووصلت لأعلى درجات التقدير فيه. ولولاها ما كانت مصر القديمة، وكانت رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى الرجال. وسبقت مصر العالم فى احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة. وتمتعت المرأة بمكانة عالية وحظيت بحقوق كثيرة لم تحظ بها مثيلاتها فى العالم القديم، بل فى العصر الحديث إلا منذ فترة قريبة. وكانت مساوية للرجل، ومشاركة له فى الحياة، وملازمة له فى العالم الآخر.
وتميزت بالسبق والإبداع والتميز فى مجالات عدة. وحملت العديد من الألقاب سواء فى البيت أو فى القصر أو المعبد أو فى المجتمع. وشجع المجتمع على الزواج، ونصح الحكماء بالإقدام عليه مبكرا. وكانت المرأة سيدة فى بيتها. وتنوعت أدوارها فى مجتمعها منذ بداية الحضارة المصرية. وحملت من الألقاب مثل لقب «نبت بر» أى «سيدة البيت»، مما يدل على عظم المكانة التى حظيت بها فى بيت زوجها. فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها فى عمله فى الحقل وأعمال الزراعة وعمل السلال والحصر وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وتجهيز العجين وخبز الخبز والفطائر فى الفرن وصناعة الجعة وورش النسيج. وكانت تعمل كمربية للأبناء والبنات فى بيوت كبار رجال الدولة. وكانت تعمل فى المعابد. وكان البعض منهن يجيد القراءة والكتابة والحساب.
***
وحكمت المرأة المصرية القديمة البلاد بانفراد، مما يدل على مدى تحرر مصر وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين العرش مثل الرجال. وكان إسهامها فى ذلك لا يقل عن إسهام الرجل.
وكان دور بنات الملوك حلقة وصل فى تتابع الملوك على العرش لما يجرى فى عروقهن من دم ملكى، وكان لمن يتزوجهن الحق فى أن يصبح حاكما لمصر. ويوضح ذلك دور الملكات الرائد وعظمتهن فى انتقال الحكم.
وكان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها الطفل. وتعد هذه من أوائل الحوادث فى هذا السياق. وكان دور النساء مهما فى الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد. وتردد العالم الحديث فى اتباع نظام وصاية النساء على العروش. وتم اتباعه فى مصر؛ نظرا لأن الأم هى الشخص الأكثر وفاء لابنها الطفل، فضلا عن انتمائها بالدم للعائلة، وأيضا كانت متدربة على تحمل مسئوليتها والدفاع عن ابنها حتى يشب عن الطوق. وكانت الأمهات اللائى يقمن بهذا الدور حين يرحل الزوج فجأة. وسار العالم على هذه السنة وأصبحت من آليات انتقال الحكم فى دنيا الحكم.
وكانت علاقة المرأة بزوجها قائمة على الحب. وكانت محل تقدير أبنائها. وصورت واقفة بجوار زوجها فى حجم مقارب له. وتطوق جسده بذارعها، وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس بيدها اليسرى ذراعه اليسرى فى حنان وحب. ويحمل هذا التصوير الفنى مغزى حضاريا معاصرا يعبر عن قمة الحب والتراحم والحنان والتواصل بين الرجل والمرأة فى المجتمع المصرى. ويمثل الزوج فى صورة إنسانية كزوج محب لزوجته وشريكة كفاحه.
***
وشاركت المرأة المصرية فى الدفاع عن الوطن، مما يوضح عظمة الدور الذى من الممكن أن تقوم به النساء فى تحرير الأوطان وشحذ همم الرجال من الأبطال كى يعيدوا لمصر كرامتها. وكان للملكة المناضلة «تتى ــ شرى» دور كبير فى تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها أحمس الأول. وساهمت أمه إياح حتب الأولى فى تسيير الفرق العسكرية، ولعبت دورا كبيرا فى الدفاع عن العاصمة، وحمت مصر واعتنت بها وبالجنود، وقامت بأداء الشعائر، وجمعت الهاربين وأعادت الفارين، وأنزلت السلام والسكينة على مصر العليا، وطردت المتمردين.
وحملت الملكة أحمس ــ نفرتارى اللقب الدينى الزوجة الإلهية للإله آمون. ومن خلاله منحها زوجها أحمس الأول وأبناؤها العديد من الأوقاف للأبد، وجلب لها الكثير من الثروات. ويعد لقب الزوجة الإلهية للإله آمون لقبا كهنوتيا ليس إلا، ولم تكن حاملة هذا اللقب زوجة فعلية للإله. ومن خلال هذه الثروات الطائلة التى خُصصت لتلك الملكة، صار ممكنا لهذه الملكة القيام بالعديد من الطقوس وتقديم القرابين، وصار اسمها منقوشا فى عدد كبير من المعابد.
ونظرا لأن تحتمس الثالث كان طفلا، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه لأنها ليست من الدم الملكى، قامت المرأة الطموحة والقوية الملكة حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها فى النصوص وتصويرها فى المناظر فى هيئة الملوك الرجال. وكانت حتشبسوت عظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التى هزت الدنيا وغيرت الرياح فى اتجاهها، وجعلت الجميع ينحنون إجلالا وتعظيما لتلك المرأة التى خلبت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث فى فترة حكمها اللافت فى تاريخ مصر القديمة قاطبة. ولم يكن هناك مثيل لقدرتها الكبيرة على إدارة حكم البلاد.
***
وتعد المرأة الذكية وصاحبة الشخصية القوية الملكة «تى» هى الزوجة الرئيسية للفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. ولعبت تى دورا كبيرا فى حياة وحكم زوجها وأنجبت له وريثه وولى عهده الملك أمنحتب الرابع أو أخناتون بعد ذلك. وتشير الآثار من عهد أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته تى طوال فترة حكم زوجها، فعثرنا على عدد كبير من التماثيل فى أحجام ومواد مختلفة تصورها مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده فى كثير من طقوس العبادة. وأقام الملك بحيرة للراحة والاستجمام فى بركة هابو، فى غرب مدينة الأقصر، حبا لزوجته الغالية قوية الشخصية وصاحبة الحضور الطاغى. ونرى حكام الشرق الأدنى القديم العظام يتوددون للملكة ويطلبون توسطها لدى أمنحتب الثالث وأخناتون.
وفاقت قوة المرأة الجميلة الملكة نفرتيتى قوة الرجال، وشاركت فى أمور الحكم، وكانت ذات دور كبير فى تحريك السياسة وتوجيه دفة الحكم فى عهد زوجها أخناتون، وربما حكمت مصر من بعد زوجها أخناتون.
وكانت جميلة الجميلات نفرتارى ملكة قوية ومؤثرة بقوة فى عهد زوجها رمسيس الثانى. ولعبت دورا كبيرا فى الشئون الدبلوماسية فى الدولة المصرية العريقة؛ نظرا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فضلا عن حبها لزوجها مما جعل من قصة حب رمسيس الثانى ونفرتارى أعظم قصص الحب وأخلد حكايات العشاق التى خلدها الإنسان فى الحجر والفن قبل أن يخلدها البشر فى فنون الأدب والقول. وكان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثانى لزوجته المحبوبة نفرتارى هو تصويرها معه فى معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل معبدها، إلى جوار معبده الكبير، فى أبوسمبل. وتم السماح لبعض الملكات بتشييد مقابر ملكية بين مقابر الملوك الخالدين من حكام مصر تكريما وتقديرا لهن. وأمر رمسيس الثانى بإنشاء مقبرة رائعة لها فى وادى الملكات هى الأجمل بين مقابر الوادى الجميل.
كانت المرأة فى مصر القديمة هى سيدة المجتمع المصرى القديم بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وحصلت على ما حصلت عليه المرأة فى العالم المعاصر من زمن بعيد.
تلك هى مصر الفرعونية سيدة العالم القديم!