فى الأزمنة القديمة، انتشرت الخرافات حول غضب الآلهة وانتقام الآلهة من البشر، وفى زمن الأوبئة، شاعت، كذلك، الخرافات حول قدرة المعبودات على سحق البشر بسبب الغضب الذى أصاب الآلهة نتيجة ما قام به البشر من أفعال أثارت استياءهم ومن ثم ينزل العقاب الإلهى على البشر، ومنذ أقدم العصور، يرجع ذلك إلى خوف الإنسان من المجهول ومن قدرة الآلهة العليا على إنزال العقاب بالبشر، فتقرب الإنسان القديم إلى الآلهة منذ أقدم العصور راجيا رضاها والنجاة من غضبها وسخطها.
عرفت مصر الفرعونية الأمراض والأوبئة، وفى مصر الفرعونية، فى بعض فترات الضعف، ولدى البعض القليل من البشر، ساد الاعتقاد أن بعض الأرواح الشريرة كانت سبب بعض الأمراض نتيجة غضب الآلهة، كانت الربة الشهيرة سخمت، أى «القوية»، هى المسئولة عن الشفاء من الأمراض، وكان البعض يتقرب لها طلبا للشفاء، فى «أسطورة هلاك البشرية» الشهيرة، جاء أن رب الأرباب، الإله رع، إله الشمس الأشهر، قد غضب على البشر لسخريتهم منه، فقام الرب رع، إله الشمس، بإرسال الربة القوية سخمت لتنتقم من البشر، ولما نزل رضا الرب رع بالبشر، جعل الربة سخمت تسكر حتى الثمالة وتغيب عن الوعى حتى لا تنتقم من البشر، وقام إله الشمس رع بالعفو عن البشر أجمعين، ومن الجدير بالذكر أن الطاعون لم يكن معروفا فى مصر القديمة حسب المصادر التى نعرفها، إلى الآن، وقد يكون الطاعون هو المرض المسمى فى البرديات المصرية الشافية «تا نت عامو» أى «(المرض) الآسيوى»، غير أن هذا الأمر غير مؤكد، ولا نعرف لماذا تمت نسبة المرض إلى آسيا، وتذكر بعض المصادر المكتوبة «رنبت إيادت» أى «عام الوباء» المرتبط بالربة سخمت، الإلهة التى كانت تجسد الغضب الإلهى، وتشير برديات من العصر الرومانى إلى الإجراءات التى اتخذها كاهن المعبد، كاهن سخمت، لفحص اللحوم والمواشى، والحماية من العدوى.
وإذا اتجهنا شرقا إلى الحضارة العراقية القديمة، منافسة حضارة مصر القديمة، نجد أن الحضارة العراقية القديمة ذكرت فى العديد من ملاحمها حدوث بعض الأوبئة التى أصابت العراقيين القدماء، والتى اعتبرها أهل العراق القديم ناجمة عن غضب الآلهة عليهم، وجاء فى ملاحم الأدب العراقى القديم أشكال غضب الآلهة ومنها الإصابة بالأوبئة والأمراض، واعتقد العراقيون القدماء أن أحد الأشخاص قـد سمع كلام الإله الذى طلب مـنه دعوة حكماء المدينة، وقال له: «ابدأوا بالصلوات وابحثوا عـن بيت إله القدر عند السومريين، واحضروا له الخبز والقرابين»، واستلم الشخص الوصايا من الإله، واجتمع مع حكماء المدينة، وشيدوا معبدا للإله، وأحضروا له القرابين والهدايا، ففارقهم مرض الطاعون، وبعد فترة من الزمن، بدأ الإله يخطط كى ينزل عقوبة ثانية على البشر، بعد الطاعون، وهى القحط؛ إذ إن عـدد البشر تزايد ثانية، وتدخل مرة أخرى إله الحكمة العراقى القديم، ودلهم على بيت إله المطر، فأحضروا له خبزا وأجزلوا له الكثير من القرابين؛ ليتعاطف مع البشر، فنزل عليهم المطر بعد القحط الذى كان، وذهبت الجائحة.
وفى حوض البحر الأبيض المتوسط، ربما انتشر الطاعون منذ القرن الثانى الميلادى، وتحديدا من عام 165 إلى 180م، وبسببه كان يموت نحو ألفى شخص فى اليوم الواحد، وعندما تم حصار إحدى المدن، أصيب الجيش الرومانى المهاجم بالوباء، وانسحب الجيش، ومعه العدوى التى انتشرت فى جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وربما كان ذلك عقابا؛ لأن الرومان وعدوا بعدم نهب المدينة، وأخلفوا الوعد الذى أخذوه على أنفسهم، وهناك غير ذلك من الروايات المبررة لانتشار الوباء والتى تستند إلى الخرافات أكثر من الحقيقة.
وفى الكتاب المقدس، تم النظر إلى أن انتشار الوباء ما هو إلا إشارة على غضب الله، وذكرت كلمة وباء فى الكتاب المقدس، وتحديدا فى العهد القديم، وكانت دائما مرتبطة بفكرة التأديب الإلهى؛ وذلك لأن الله يعطى البركة لأتباعه ومن تمسك بتعاليمه، فتحل بركته على الطاعين فى العمل والأولاد والأرض والصحة، ويلحق الرب الوباء بمن ضل عن سبيله، وكانت كلمة وباء هى إحدى لعنات السماء على أشخاص تركوا الله ورفضوا وخالفوا وصية الله، وعندما تسمح السماء بوباء، فلا شك هو نوع من اللعنة على البشر.
وفى الحياة الدينية عند العرب الأقدمين قبل الإسلام، كانت هناك آلهة متعددة، وكان العرب القدماء يعتقدون بأنه كانت مهمة بعض من آلهتهم إنزال العقاب الشديد بالإنسان الذى كان يعاديها؛ فكانت تنزل به الأمراض أو بالأوبئة، ومن بين تلك الآلهة كانت الربة «العزى» الشهيرة، ربة مدينة مكة. وجاء فى كتابات بعض المؤرخين أن العرب كانوا يقدسون بعض الشجيرات أو بعض الأحجار على اعتبار أنها تمثل الربة «العزى»، وفى الغالب أنه تم تصوير الربة العزى فى النحت فى هيئة امرأة. ويظهر من اسمها أنها كانت إلهة قوية عزيزة تعز من كان يعبدها أو يتقرب إليها، وكان من عظم مكانتها عند أهل مكة أن أهل قبيلة قريش كانوا يحملونها معهم فى حروبهم بغية أن تسبغ عليهم الحماية وتدفع عنهم الهزيمة وتجلب لهم النصر، وأطلقوا عليها اسم «ملكة السماء» من فرط تقديسهم لها، وكان العرب الأقدمون يرون أيضا أنها شديدة العقاب والانتقام ممن يعاديها، وهناك حكايات عديدة فى هذا الشأن.
والخلاصة أنه فى زمن انتشار الأوبئة كانت تعم الخرافات وتنتشر الأساطير، ومنها ما كان يستند إلى أصل تاريخى، ومنها ما كان وليد اللحظة وينتهى ذكره باختفاء الأوبئة وانتهاء الأمراض الفتاكة، غير أنها كانت تبقى فى بعض السجلات والوثائق المكتوبة أو تبقى فى الذاكرة والوعى الجمعى.