مكان للدين - روجر كوين - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكان للدين

نشر فى : السبت 8 ديسمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 8 ديسمبر 2012 - 8:38 ص

أثناء زيارتى الأخيرة للقاهرة، التقيت فى ميدان التحرير بصحفية شابة تعمل بإحدى الصحف الإلكترونية، اسمها أسماء لطفى. كانت ترتدى بنطلون جينز وقميصا داكن اللون، وكانت عيناها تلمع تحت الحجاب المحكم حول رأسها وعنقها. قالت لى إنها ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى الثانية عشرة من عمرها. وقالت «لم يفرض علىَّ أحد ارتداءه، لكننى أردت اتباع النبى». 

 

ثم حدثتنى أسماء عن مشاعرها عندما تستمع إلى الخطابات المسهبة التى يلقيها رئيس مصر، محمد مرسى، المنتمى للإخوان المسلمين؛ وعن مدى قلقها على حقوق المرأة؛ وكيف أنها، بعد تفكير طويل، صوتت ضد مرسى فى أول انتخابات رئاسية حرة تشهدها مصر فى يونيو الماضى. وذهب صوتها إلى المرشح الأكثر علمانية، أحمد شفيق، المرتبط بنظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك.

 

كانت تكره مبارك. وتحدثت بحماس عن القمع الذى كان يتعرض له المصريون وكيف حطموا فى النهاية قيودهم بعد «انفجار» المواجهة فى ميدان التحرير قبل ما يقرب من عامين. وكان تصويتها لشفيق تصويتا لأقل الشرين. أسماء لطفى تمثل رفضا حيا لكل البنى الفكرية التى تقوم على التناقض المبتذل بين الدينى  العلمانى، أو تصادم الحضارات الذى يحاول العالم من خلاله النظر إلى الربيع العربى، أو الصراع بين الغرب والإسلام، وبصورة أعم مكان الدين فى الحياة السياسية.

 

سألتنى أسماء «لماذا تربطون عادة فى الغرب بين الحجاب والتعصب الدينى؟ مصر بلد مسلم قبل أن يكون هناك حزب دينى بزمن طويل. فأنا أرتدى الحجاب لأن هذا يشعرنى بالراحة».

 

وواصلت حديثها لتوضح أنه خلال ثلاثة عقود من حكم مبارك المستبد والمدعوم من واشنطن، كانت الولايات المتحدة تتجنب الإخوان المسلمين بوصفهم إسلاميين متعصبين. «والآن، أصبح الإخوان على ما يرام والسلفيون هم المتعصبون، بل إنكم تتحدثون معهم!». وهى ترى أن الحواجز القديمة، التى بنيت لتظهر مبارك كآخر حصن للغرب فى مواجهة التشدد الجهادى، كانت زائفة ومعوقة.

 

••• 

 

قد آن الأوان كى نعيد النظر فى العلاقة التى يسارع الغرب عادة بإقامتها بين الدين والتخلف من جانب، والعلمانية والحداثة من جانب آخر. وبالنسبة للشرق الأوسط، وكما يتضح من الطغيان المدعوم من الغرب، فإن تحوله إلى «العلمانية» لا يعنى بالضرورة حل مشاكله.

 

ولابد أنه من الأسهل على الولايات المتحدة أن تفهم الأمر بشكل أفضل. فالدين على كل حال جزء أصيل من إحساس أمريكا بنفسها.لكن صعود الدين المسيس والمتشدد ـ سواء فى مصر أو الولايات المتحدة أو روسيا ـ غالبا ما يصبغ المفاهيم بلونه ويلقى بظلاله على ما تؤمن به الكثيرات من أمثال أسماء فى العالم، وإن كن لا يزلن على قناعتهن بضرورة الفصل بين الدين والدولة.

 

•••

 

وعند حديثه عن حركات الإسلام السياسى فى كتابه «الإسلام والصحوة العربية»، يقول طارق رمضان «إنها أنجح بكثير فى المعارضة منها فى طرح مقترحات ذات مصداقية للمستقبل. ومقاومتها التاريخية للاستعمار، وجدالها مع العلمانيين، ورفضها للغرب (فى علاقة تقوم على التنافر ـ الانجذاب)، وشرعيتها المستمدة من العداء لإسرائيل، كل ذلك يمنح الإسلاميين شرعية أن يكونوا المقابل الأخلاقى؛ لكن هذه الإنجازات بحد ذاتها تحول بينها وبين التدقيق فى برنامجها السياسى وتقييمه تقييما نقديا».

 

والآن، على الإسلاميين وضع مثل هذا البرنامج. وعليهم طرحه. والإخوان يحكمون مصر الآن. وحزب النهضة يحكم تونس.  وبدلا من إثارة الأعداء ـ الغرب أو إسرائيل ـ سيكون على هذه الأطراف إتاحة الفرص أمام الجماهير العريضة من الشباب المطالب بالحرية والتعددية وفرص العمل للنساء والقضاء على الفساد. وعليهم أن يدركوا أن الشريعة قد تكون محل قبول من جانب معظم المواطنين أذا فُهمت كمجموعة من المبادئ المرشدة، لكن هذا القبول لن يوجد إذا اعتبرت قانون عقوبات يجب فرضه بصرامة. وتقدم لنا تركيا، حيث يحكم حزب ذو جذور إسلامية منذ عقد من الزمان، مثالا مفيدا.  كذلك على الغرب أن يأخذ أسماء فى اعتباره كتذكير بتصنيفات غير ملائمة مثل إسلامى وعلمانى. فعلمانية الغرب نفسها تبدو فى تراجع .

 

•••

 

الدين لا يمكن أن يظل درعا لا يمس للحاكم. وغالبا ما تتعرض حملة الانتخابات الأمريكية الطويلة لسلوك المرشحين الدينى ومسائل مثل حق النساء فى الإجهاض، حيث يحتكم إلى الله (من جانب الرجال بالأساس). وإعلان الإلحاد هو بقدر جودة إعلان الابتعاد المبكر عن العمل السياسى فى بلاد «أمة واحدة تحت حكم الله، الواحد، والحرية والعدالة للجميع». وقد أسفر انقسام البلاد، بين محافظين يسترشدون بالله وتقدميين علمانيين، عن الركود والخلل الوظيفى. 

 

ومن المثير للدهشة أن اليمين الإنجيلى الأمريكى تحديدا هو الأكثر ميلا، على حد تعبير أسماء لطفى، للمساواة بين حجاب المرأة والتعصب الإسلامى، ورؤية تهديد الشريعة فى كل مكان، ورفض الربيع العربى باعتباره مجرد بداية للفوضى، ينتعش فيها الجهاديون المتطرفون.

 

والحقيقة أن الإسلام أكثر تنوعا وينعكس على الثقافات المختلفة التى يعتبر جزءا لا يتجزأ منها، وهو ليس أكثر تشبثا بالقسمة التبسيطية مسلم جيد / مسلم سىء من المسيحية أو اليهودية.

 

وصوت التطرف هو الأعلى بالطبع؛ وهو يميل إلى حجب التعددية والفروق الطفيفة. والآن، يشهد الشرق الأوسط فرصة غير مسبوقة، بعد كل هذا الكر والفر العقيم، لعبور الفجوة بين الشعارات المزدوجة البالية وإقامة حكم ديمقراطى لا هو «إسلامى» ولا هو «علمانى».

 

•••

 

لكن وكما طرح علىَّ محمد، صديق أسماء، المسألة أمامى، فإن «بناء الديمقراطية ليس سلق بيض». لا، إنه عمل أجيال يتطلب الفهم والدعم. ونظريا، فإن مجتمعين كالولايات المتحدة وإسرائيل، حيث للدين دور مهم، يجب أن يستعدا لمواجهة التحدى  إذا تحلى أكثر أتباع الرب إيمانا بسعة الأفق، وإذا اختفت النظرة إلى المسلمين أخيرا بوصفهم بحاجة إلى الغرب كى يحررهم بينما هم يريدون مسارا إسلاميا لتطورهم.

 

وقالت أسماء، «إننا أحرار. ومهما حدث، فلن نعود إلى الوراء».

 

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز
لمبيعات الخدمات الصحفية. يحظر نشر هذه المادة أو
إذاعتها أو توزيعها بأى صورة من الصور.

روجر كوين كاتب صحفى بجريدة نيويورك تايمز
التعليقات