الدبلوماسية لفظت أنفاسها الأخيرة - روجر كوين - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدبلوماسية لفظت أنفاسها الأخيرة

نشر فى : السبت 26 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 26 يناير 2013 - 8:00 ص

تحتاج الدبلوماسية الفعالة. من نوع الاختراق الذى قام به نيكسون بزيارته التاريخية للصين، أو إنهاء الحرب الباردة بالشروط الأمريكية، أو اتفاق دايتون للسلام فى البوسنة إلى الصبر، والمثابرة، والتعاطف، والتعقل، والإقدام، والاستعداد للحديث مع العدو. ونحن نعيش زمن نفاد الصبر، والتقلب، واللغو، وضيق الأفق، وعدم الرغبة فى الحديث مع الأشرار. وحقوق الإنسان هى موضة هذه الأيام، وهى شىء جيد بالطبع، لكن لم يعد هناك مكان لزعامة واقعية من النوع الذى حقق السلام للبوسنة فى 1995. وسياسة الراحل ريتشارد هولبروك لم تكن سيئة.

 

•••

 

وهناك أسباب أخرى لزوال الدبلوماسية. فالولايات المتحدة فقدت وضعها كقوة مهيمنة دون أن تحل محلها قوة أخرى. والنتيجة عالم لا أحد. إنه مكان تلعب فيه أمريكا دور الرئيس الحذر، وتشجع غيرها بدلا من ذلك على تولى القيادة وتخشى من خسارة السلطة. وتقدم سوريا درسا غير مفهوم للدبلوماسية عندما تتوقف وسط أزمة. وتظهر الجزائر كيف يتراكم التوقف عندما ننبذ المحادثات باعتبارها مضيعة للوقت.  لقد تغير العنف، الذى كانت دبلوماسية من ذلك النوع قادرة على وضع حد له. وكما يشير ويليام لورز، السفير السابق فى فنزويلا ومدير مشروع إيران، فى رسالة الكترونية، إن هذا يحدث «بقدر أقل بين الدول وبقدر أكبر مع الإرهابيين». وإحدى النتائج هى أن «الجيش ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية هم من يتولى عملية التعامل مع الحكومات فى أنحاء الشرق الأوسط وكذلك العلاقات بين الدول (باكستان، أفغانستان، العراق)». لقد تقلص دور الدبلوماسيين المحترفين.

 

•••

 

والحقيقة أن كلمة «دبلوماسية» بحد ذاتها أصبحت غير ملائمة فى كابيتول هيل، حيث يبتعد عن متعلقاتها غير المجدية. المقايضات، والمساومات، والمرونة، والتنازلات، وغير ذلك النواب الذين يفضلون هذه الأيام قرع طبول المواجهة وصرامة وتشدد ما بعد 11 سبتمبر؛ وكلها قد تبدو جيدة لكنها لا تقود عادة إلى شىء (أو تؤدى إلى حروب طويلة وشرسة) وتكلف الكثير. وقد كتب ستيفن هاينتز، رئيس صندوق إخوان روكفلر، فى رسالة الكترونية يقول «عندما تنتهى السياسات الداخلية إلى الاستقطاب والشلل يصبح هناك احتمال لأن يفرض هذا على الدبلوماسية قيودا غير عادية». وهو يستشهد بكوبا وإيران كمثال على هذا؛ وأود من جانبى أن أضيف إسرائيل وفلسطين. وهذه المسائل الحساسة فى السياسة الخارجية لا ينظر إليها بوصفها تحديات دبلوماسية بقدر ما تعتبر مصادر محتملة لرأس المال السياسى المحلى.  لذلك عندما سألت نفسى عما آمل أن يتحقق خلال فترة اوباما الرئاسية الثانية، كانت الإجابة هى: عهد جديد من الدبلوماسية. والفرصة لم تفت بعد كى يحصل الرئيس على جائزة نوبل للسلام.

 

•••

 

بالطبع يفعل الدبلوماسيون الكثير من الأشياء الجيدة فى أنحاء العالم، وحتى فى المدة الأولى شهدنا تحولين مهمين فى بورما، حيث نجحت الدبلوماسية الأمريكية الصبورة فى إحداث ثغرة، وفى مصر الجديدة بأوضاعها المضطربة، حيث كان تواصل الولايات المتحدة مع الإخوان المسلمين مهما وتأخر طويلا (وطرح سؤال هو: متى تفعل أمريكا الشىء نفسه مع فرع الإخوان، حماس؟)

 

لكن اوباما لم يقم باختراق كبير. والركود الدبلوماسى الأمريكى يقترب من عامه العشرين. وهناك بعض الأسباب المتواضعة التى تدعونا إلى الاعتقاد بأن دفن الدبلوماسية يمكن أن يحدث ضررا. وها هى فترة رئاسية أخرى؛ وأوباما لم يعد مدينا بالكثير لأوهام الكونجرس الصاخبة. والحزب الجمهورى المتشبث بيمينيته أكثر ضعفا. وبتعيينه جون كيرى وشاك هاجل فى وزارتى الخارجية والدفاع، اختار اوباما اثنين من المهنيين الأذكياء اللذين شهدا من الحرب ما يجعلهما يبغضانها ويتمتعان بخبرة كبيرة فى شئون العالم. وهما يعلمان أن للسلام مخاطره. ويعرفان أنه قد لا يكون رائعا. والحروب الكبيرة تخمد. وعلى القادة العسكريين أن يفسحوا مجالا للدبلوماسيين.

 

•••

 

والدبلوماسية الفذة لا تجرى مع الأصدقاء. إنها تدور مع أمثال طالبان، وآيات الله وحماس. وهى تتضمن الإقرار بأنك لكى تحصل على ما تريد عليك تقديم شىء بالمقابل. والسؤال الأساسى هو: ما الذى أريد الحصول عليه من خصمى وما الذى علىّ تقديمه نظير ذلك؟ أو، لنطرح المسألة كما طرحها نيكسون وهو يسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع الصين الشيوعية: ما الذى نريده، وما الذى يريدونه، وما الذى يريده كلانا؟  وقد جرب اوباما إيفاد مجموعة من المبعوثين الخاصين خلال فترة رئاسته الأولى. وهو بحاجة إلى تعزيز وزارة خارجيته لعمل اللازم من أجل التخفف من الحمل الثقيل لإيران،  فلسطين وإسرائيل. ويرى لورز أن «فكرة إرساء دبلوماسية جديدة ستتطلب من هاجل وكيرى إرسال أعضاء الكونجرس المخضرمين من الحزبين فى رحلات إلى الخارج وإلى مواقع الاضطرابات. وهذا أمر معتاد. وعليهما أن يتحليا بالجرأة مع الكونجرس وأن يحاولا الاستعانة بأعضائه».

 

•••

 

وحتى تنجح الدبلوماسية، يجب أن تخفت الضوضاء. والآمال الكبيرة معلقة هذه الأيام على دبلوماسية المواطن لتحقيق حلم حل الدولة الواحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، وغيرها. ويقدم لنا الإعلام الاجتماعى والتواصلية المفرطة الكثير من الفوائد. فهذه الوسائط ساعدت فى اشتعال موجة التحرر المعروفة بالربيع العربى. إنها قوة متعددة اللاعبين للانفتاح والمواطنة. لكنها قد تصرف الانتباه عن التركيز على الدبلوماسية العملية التى أحدثت النقلات التاريخية المذهلة فى 1972، و1989، و1995. لقد حان الوقت لنوع آخر من الدبلوماسية.

 

 

 

كاتب صحفى بجريدة نيويورك تايمز

روجر كوين كاتب صحفى بجريدة نيويورك تايمز
التعليقات