الجراح الشرير! على من نطلق الرصاص؟ - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجراح الشرير! على من نطلق الرصاص؟

نشر فى : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 8:15 م
على شبكة نتفلكس الآن يعرض فيلم وثائقى يعد بالفعل عملا عظيما يدعو الجميع للتأمل. تحت عنوان جراح شرير وعنوان آخر ثانوى «حب تحت السكين».
يحكى الفيلم قصة جراح شهير إيطالى سويسرى المولد ذاع صيته فى إجراء جراحات الصدر واقترن اسمه بعملية جراحية مبتكرة كان يستبدل فيها القصبة الهوائية بأنبوب مماثل تماما صنعه من البلاستيك وحتى يضمن ألا يرفضه الجسم ويلفظه كجسم غريب عن أنسجته فقد حرص على إغراقه فى محلول من خلايا الإنسان المريض الجذعية!.
كان الأمر فى بداياته أشبه بالمعجزة ساهم الإعلام فى الترويج لها حتى إن الجراح صار نجما تتناقل أخباره الصحف وتتابعه كاميرات التليفزيون ومنها كاميرات محطة NBC التى سجلت له أحاديث مطولة عن اكتشافه العلمى الباهر صاغتها صحفية استقصائية معروفة ما لبثت أن وقعت فى غرامه وبدأت بينهما قصة رومانسية وعدها فيها بالكثير: كحفل زفاف أسطورى يقيم مراسمه البابا بنفسه فى الفاتيكان ويحضره مشاهير العالم ورؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وممثلو هوليود ويحيى الحفل أندريه يوتشلى فى حين يعزف التون جون على البيانو ألحانه المعروفة للعالم كله.
عاشت الصحفية «بونيتا ألكسندر» حلما أسطوريا مع الجراح الأشهر الذى كان يستقبل فى كل مكان استقبال المشاهير والذى لم تدخر جهدا فى الترويج له بكل الوسائل.
مايو ٢٠١٥ قدمت ألكسندر استقالتها من NBC وسحبت أوراق ابنتها من المدرسة واستعدت للانتقال إلى أوروبا بعد أن طبعت دعوات زفافها الملكى للجراح الأشهر والذى تحدد له موعد فى يوليو ٢٠١٥.
تلقت «ألكسندر» خبرا من أحد أصدقائها يخبرها أن البابا فرنسيس يتأهب لزيارة أمريكا الجنوبية فى شهر يوليو! حينما سألت جراحها الخارق كما كان يلقب «باولو مكيارينى» جاء رده واثقا أنه سيطلب من البابا العودة فى موعد زفافهما لأن علاقته به تسمح بذلك فهو طبيبه الخاص!.
الواقع عزيزى القارئ أن كل الأحداث التى نسجها «باولو» كانت من تأليفه وإخراجه فقد كان الرجل متزوجا ولديه أبناء ولم يكن على علاقة بأى من الشخصيات العالمية التى ذكرها على قائمة المدعوين لذلك الزفاف الوهمى.
أزيدكم من الشعر بيتا؟ خلال تلك السنوات أجرى «باولو» عمليتين لشاب عانى كثيرا وتوفى على إثرها وكانت له أم شابة ظل يواسيها حتى وقعت فى حبائله ورزقا معا بطفلة!.
استأجرت الصحفية مخبرا خاصا لتتبع أخبار الجراح الأشهر الذى مارس الجراحة المعجزة فى السويد حيث كان يعمل فى المركز العلمى المعروف عالميا ويقوم بإعداد ومناقشة السير الذاتية العلمية للمرشحين لجائزة نوبل فى الطب والعلوم كل عام (Karolinska University Hopital).
حينما اكتملت لديها القصة خرجت لتذيعها على العالم من برنامجها ولم تنس أن تلوح بيدها وفى إصبعها خاتم الخطبة الذى اشتراه لها زاعما أن ثمنه مائة ألف دولار أمريكى بينما ثمنه الحقيقى لا يتعدى بضعة دولارات فقد كان بالطبع مزيفا!.
أجرى الجراح ثمانى عمليات استبدل فيها القصبة الهوائية بأخرى بلاستيكية مغسولة بالخلايا الجذعية تحت زعم أن الخلايا الجذعية ستنمو لتحل محل الأنبوبة الطبيعية وأن الجسد لن يلفظها.
توفى سبع من الثمانى حالات التى أجريت فى السويد وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبقيت حالة واحدة على قيد الحياة فى الرعاية المركزة أجريت لها حتى الآن مائتى جراحة فى محاولة لإصلاح مضاعفات العملية!.
واجه الجراح اتهامات كانت كفيلة بطرده من عمله وعقوبته بالسجن لكنه حتى اللحظة ينفى أنه مذنب بل هو عالم سابق لعصره وأن يديه إنما هى يد العلى القدير لإجراء الجراحات وإنقاذ البشرية.
جاء فيلم نتفلكس وثائقيا لا علاقة له بفن الدراما أو الإثارة بل كل ما جاء فيه كان واقعيا من أحداث وحقائق علمية والتى كان أهمها أن الجراح استخدم البشر كفئران معمل للتجارب ولم يلجأ للخطوات المعروفة علميا وأخلاقيا فى التجارب العلمية!
رغم أن الفيلم وثائقى إلا أنه ترك النهاية مفتوحة فلم يصدر حكما على الجراح المعجزة.. ربما لأنه هناك متهم آخر لم يمثل أمام القضاة.. الإعلام الذى روج للجراح وقدمه للعالم على أنه جراح خارق.
هذا بلا شك اعتقادى.
التعليقات