إنه موضوع مثير، أن يتسلل شخص ما، خلسة، إلى متحف كبير، ويضع عينيه على أغلى اللوحات المعلقة مثل لوحة (زهرة الخشخاش) للفنان الهولندى فان جوخ، إنها أغلى لوحة احتفظ بها متحف محمود خليل أكبر متاحفنا فى الفن التشكيلى حتى الآن، ترى ماذا يمكن لكاتب أن يؤلف سيناريو مستوحى من هذه الحادثة الحقيقية، وأيضا كيف يمكن لمخرج مثل مجدى محرم أن يفعل بهذا السيناريو، خاصة فى فيلمه الذى أخرجه عام 1992، وقد مرت سنوات عديدة على حادث السرقة الغامض، وأيضا على إنتاج هذا الفيلم الذى يكاد لا يعرفه أحد، من المهم طرح سؤال، لماذا لا يوجد لدينا عمل سينمائى له ألمعيته مثل حادث السرقة الملىء بالغموض، وأذكر أننى كنت عضوا فى لجنة تحكيم أدبية منذ سبع سنوات قرأت فيها رواية متميزة للغاية عن السرقة نفسها لكن للأسف الشديد أننا نعيش فى فترة زمنية ليس فيها مخرجون يمكنهم اكتشاف مثل هذه النصوص الجيدة، عندما عاودت متابعة فيلم «وتمت أقواله» فإن التساؤل يثير نفسه: هذا الفيلم توفرت له عوامل نجاح عديدة منها طاقم العمل مثل يحيى الفخرانى، وصفية العمرى، وسعيد صالح، وأيضا طرافة الموضوع، لقد ذهب كاتب السيناريو بعيدا للغاية وحدثنا عن أستاذ جامعى يعد رسالة الدكتوراه ويقع فى حب الفتاة التى تكتب له الرسالة، وهو يدفع بصديقه القديم، الخارج من السجن، كى يسرق لوحة (زهرة الخشخاش)، الفيلم ملىء بالتفاصيل حول الحياة الخاصة لهذين الرجلين، ويكاد يخلو من التوتر الذى يجب توفره فى مثل هذه الأفلام.
بالطبع فإن كاتب السيناريو فهمى عبدالسلام لا يعرف أى تفاصيل عن كيفية سرقة لوحة، ولا ماذا تم فى المتحف، وكنت أتمنى له أن يرى، على الأقل، عددا من أفلام سرقة اللوحات العالمية فى أكثر من متحف، خاصة تلك التى تم إنتاجها فى الستينيات، ومنها فيلم: «توب كابى» إخراج جول داسان، و«كيف تسرق مليون دولار» إخراج ويليام وايلر، وفيلم «جامبيت» بطولة مايكل كين، وفيلم رابع عن سرقة الموناليزا بطولة جورج شاكيرس، ثم أفلام أخرى كثيرة، لقد تعمدت ذكر هذه الاسماء لأنها حصلت على درجات عالية فى التقويم الفنى من النقاد والجماهير، ولو قرن فيلم مجدى محرم بها لتوارى من الحياء، لأنه كمخرج لم يستفد من المادة الخام التى أتيحت له وللمؤلف، رغم وجود ثلاثة نجوم كبار من الذين تنتمى أسماؤهم إلى سينما التسعينيات تلك الفترة التى كانت فقيرة بشكل ملحوظ من الاسماء الجديدة الموهوبة، وقد اختفى المخرج من خريطة السينما عقب عرض هذا الفيلم ولم نعد نرى له أى جديد.
فى كل فيلم من هذا النوع هناك دوافع ما، أغلبها العاطفة والحاجة إلى المال، تدفع بشخص ما إلى السرقة، فأستاذ الجامعة المفصول من وظيفته يمكنه أن يعوض أسباب فشله على المستوى الاجتماعى بأن يدفع لصا غير محترف لسرقة اللوحة، ولا شك أن هذا الامر يمكن أن يسبب حرجا للمؤسسات الرسمية التى تمتلك هذا المتحف وتديره، ولا شك أن هذه التفاصيل كان يمكن أن تأخذ مساحة أكبر من السيناريو ومشاهدة عمل مثير مثلما حدث فى الأفلام التى ذكرناها، ويبدو أن اللصوص الحقيقيين الذين سرقوا اللوحة واختفوا معها كانوا أكثر مهارة وحنكة بدليل أن اللوحة لم تعد حتى الآن، وأخشى ألا يتم العثور عليها مثل كنوز فنية كثيرة سرقها اللصوص وفازوا بما سرقوا.