عندما يمن الله عليك بالفرصة لزيارة الأماكن المقدسة تشعر بأنها فرصة سانحة لك لتغسل روحك مما يعلق بها من غبار، وتتمنى أن تعود بعد انتهاء تلك الرحلة كالصفحة البيضاء، وتحلم بأن تقضى المدة كاملة فى الصلاة والتعبد والتقرب إلى الله بعيدا عن منغصات الحياة اليومية، تسيب الناس ومشاكلهم وخناقاتهم وتصل لمرحلة من صفاء النفس والهدوء والسكينة، تنفصل فيها عن العالم محلقا فوق سحابة بيضاء، وهو الشىء اللى كان ممكن قبل كده، لكن عمرة 2011 فى عصر الموبايل والإنترنت والفيس بوك والثورات العربية المشتعلة، عمرة مختلفة اختلاف كبير. تقول لأصحابك أنا طالع عمرة الأسبوع الجاى، بدلا من كلمة مبروك المعتاده يبصولك باستغراب «وهو ده وقته؟»، تسأل قرايبك عن الدعوات إلى عايزينك تدعيهالهم وبدلا من دعوات الجواز والخلفة والنجاح يقولولك «النبى تدعيلنا برئيس كويس وإن إشارة المرور اللى على أول شارعنا تشتغل»، تلاقى شركة السياحة بتاعتك مسمية العمرة «عمرة التغيير» وعاملالها شعار «الشعب يريد إسقاط الذنوب»، تلاقى اتنين بيقرأوا القرآن وبيتباروا، دى تقول شوفى الآية دى بتنطبق ع القذافى بالظبط، التانية تقولها طب اسمعى دى بقى بتتكلم بالحرف عن بشار، المناقشات اللى بتقلب بخناقات، مش عن الحجاب والصلاة والصيام، عن الشعب اللى بقى من غير ريس الريس اللى من غير شعب، والتجمهر حول أقرب محل للحرم فيه جهاز تليفزيون لمتابعة الملتحقين الجدد بفريق سجن طره للمحترفين، المحمول فى يد الجميع يتداخل تداخل مباشر مع علاقتك بربنا، تبقى بتسجد قدام الكعبة فى حالة خشوع وتسمع وراك رنة «هاى سيكسى ليدى»، تبقى بتقرأ القرآن فى المسجد النبوى وجنبك اتنين بيمثلوا إنهم بيصلوا عشان كل واحد يصور التانى بكاميرا المحمول، تبقى واقف تصلى فى الروضة الشريفة وتسمع واحدة جنبك وعلى ودنها المحمول «أيوه يا أم إبراهيم.. أنا قدام الرسول أهه.. عايزانى أقول له حاجة؟».
ومع كل الظواهر الجديدة هناك الظواهر القديمة اللى من نعمة ربنا عليك إنك بتنساها وبتنسى وجعها بين العمرة والعمرة، عشان تلاقى عندك القدرة إنك تكرر الزيارة، إحساسك وإنتى داخلة مطار جدة إنك من أول الخط ده ما عادش ليكى كيان، «خرج الحرمة م الطابور» أول جملة سمعتها من الضابط السعودى فى المطار، تحالف واجتماع المسلمين من جميع أنحاء العالم على تشويه المكان اللى بيتعبدوا فيه، «حافظوا على نظافة مدينتكم» أى مدينة أحق بالعبارة دى من المدينة المنورة؟، «أترك المكان نظيفا كما وجدته» أى مكان يستحق تسيبه نضيف أكتر من ساحة بيت الله الحرام؟، لكن لا حياة لمن تنادى، الزق والضرب أثناء الطواف والتدافع وقت الصلوات على أماكن الصلاة، والنظافة الشخصية اللى للأسف مش أولوية عند ناس كتير، كل ده أحيانا بيفكرنى بقصة الراجل الألمانى اللى أسلم وراح يحج، فلقوه بيعيط قدام الكعبة وهو بيدعى «الحمدلله يا رب إنك هدتنى للإسلام قبل ما أشوف حال المسلمين»، وقصة الراجل الإنجليزى المسلم اللى بيدعى كل سنة أمام البيت الحرام إن ربنا يمنح نعمة الإسلام لشعوب أكثر تحضرا ما تظلمش دينه وتضيع أمانته، لكن رغم كل السلبيات، يظل النور فى آخر النفق، شعوب من كل أنحاء الأرض، رغم اختلاف اللغة والأصل بيتوحدا على هدف واحد وبيتجهوا لمكان واحد 5 مرات فى اليوم.
واحد ونص بليون بنى آدم والهدف واحد، شوف لو زاد وعيهم وساد العدل دولهم وارتفع مستوى تعليمهم وازدهرت حضارتهم، شوف لو ربنا نصرهم على القوى اللى بتأخرهم وتضيعهم وتتوههم فى الطريق، هيفيدوا العالم أد إيه وهيغيروا وجه الدنيا إزاى، مش عارفه ليه حسيت فى عيون ناس كتير نفس الحلم ونفس الأمنية، الربيع العربى شجع كل شعوب الأرض إنها تحلم بالمستقبل، وتتفاءل باللى جاى، يمكن عشان كده كان بيتهيألى أثناء الطواف حوالين الكعبة إن من ضمن الأدعية اللى بتترفع بأصوات الطائفين دعاء «الشعب يريد إسقاط النظام».