تقف زهرة اللوتس فى وسط الجزيرة عالية وشامخة رمزا لشموخ المصريين رغم أنها تبدو صماء من حجر وحديد إلا أنها تحكى تاريخا طويلا من الحضارة. هذه الزهرة صممها وبناها مهندس مصرى اسمه نعوم شبيب يظن الكثيرون منهم صحفيون وكتّاب كبار أنه يهودى الديانة. رغم أنه مسيحى من كنيسة الروم الكاثوليك مثله مثل «صيدناوى»، الذى أيضا يخطئون إذا يذكرون أنه يهودى الديانة، رغم أن أصله سورى مسيحى أيضا من كنيسة الروم الكاثوليك، ومن بلدة صيدنايا فى ريف دمشق ومن هنا جاء لقبه.
كثيرون يجهلون تاريخ الشوام المصريين ودورهم فى المجتمع المصرى منذ القرن الخامس عشر حتى يومنا هذا وإن كانت الهجرة قد زادت من الشام إلى مصر من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين لأسباب مختلفة منها التجارة، ولكن منها أيضا اضطهاد العثمانيين لهم لحد الذبائح، ولأن مصر كانت قد عرفت الاستقرار وتقدمت نحو الحداثة بفضل محمد على شجع ذلك الشوام للقدوم إلى مصر والانخراط فى مجتمعها والخدمة فى جيشها والاشتراك فى حروبها، ومن بعض الشخصيات من الشوام المصريين بشارة وجبرائيل تكلا مؤسسا الأهرام والأخوان زيدان أصحاب دار الهلال والفنان نجيب الريحانى وشاعر القطرين خليل مطران أول مدير للمسرح القومى المصرى، والشاعر عادل غضبان، والاديبة مى زيادة، والمخرجان يوسف شاهين وهنرى بركات، والممثل ميشيل شلهوب (عمر الشريف) وآلاف غيرهم، وأحيلك عزيزى القارئ إلى كتاب (هجرة الشوام للمؤرخ الكبير اللبنانى مسعود ضاهر من إصدارات دار الشروق).
من هو نعوم شبيب؟ نعوم شبيب معمارى ومصمم مصرى وواحد من المهندسين المصريين الرئيسين فى عصره وأبو العمارة الحديثة فى مصر ومهندس إنشاءات ومقاول ومبتكر. وهو من أصول لبنانية من الجيل الثانى. ولد فى 28 نوفمبر 1915 فى القاهرة وتوفى فى 13 مايو 1985 بمونتريال كندا، حاصل على بكالوريوس فى الهندسة المعمارية (مع مرتبة الشرف) سنة 1937 وماجستير فى هندسة الميكانيك والتربة سنة 1954 وماجستير فى الهندسة الإنشائية سنة 1956 من جامعة القاهرة وعضو فى قصر سام كيبيك للمهندسين فى كندا وزوجته أرليت حاطون من عائلة أصلها دمشقى ولهم أربع أبناء.
أشهر أعماله: برج القاهرة سنة 1961 بأمر من الرئيس الراحل عبدالناصر بعد انتصار لمصر على المخابرات الأمريكية، ومبنى جريدة الاهرام سنة 1968 وكانت أولى ناطحات سحاب فى مصر بمقاييس ذلك الزمان، كذلك عمارة ثابت ثابت (عمارة بلمونت) بنيت سنة 1958 فى جاردن سيتى 30 دورا وبرج الراديو سنة 1954 فى شارع رشدى 22 دورا، وعمارة تشارلز كنتوز سنة 1955 بالدقى، وسينما ومسرح على بابا ومدرسة القللى الخيرية ومبنى كايرو موتور لتجارة السيارات وكنيسة سانت كاترين فى مصر الجديدة وكنيسة سانت تريز فى بورسعيد وكنيسة العذراء الطاهرة بالقرب من ميدان الاسماعيلية بمصر الجديدة.
عرف نعوم شبيب كيف يتغلب بجرأة على التحديات المعمارية والإنشائية التى واجهته وذلك بفضل كفاءته التقنية العالية، ففى بداية سنة 1950 لم يكن فى العاصمة المصرية مبان تعلو على اثنى عشر طابقا لأنها لم تكن فى ذلك الوقت تستخدم التقنيات الحديثة لبناء المبانى الشاهقة. ولم يكن أحد يجرؤ على بناء مبان شاهقة على أرض طينية فى القاهرة. ومع ذلك كان لنعوم شبيب القدرة الفكرية والجرأة الكافيتان لقيامه بإنشاء اول ناطحتى سحاب فى مصر، سمحت خبرة نعوم شبيب فى مجال الهندسة الإنشائية له بتصميم وبناء برج القاهرة التى كان يتطلب اساسا متينا يرتكز على الطبقة الصخرية الموجودة على عمق 35 متر. وعلاوة على ذلك هناك تصميم السقوف المقببة الرقيقة من الخرسانة المسلحة والمسندة بأعمدة لتهيئ مساحات كبيرة وهو تصميم يتطلب حسابات معقدة ودراية متعمقة بمواصفات الخرسانة وعُرفت بقبة شبيب.
كما ابتكر نعوم شبيب نوع خاص من الأساس يصلح للاستخدام فى الأراضى التى لا تتحمل الأثقال المركزة. وهذا النوع من الأساس لا يزيد نقاط الدعم ليتسنى توزيع الحمل على مساحة أكبر من الأرض.
واخيرا ابتكر المهندس المعمارى والإنشائى نوعا من الركائز مزود بذراع وشديد التحمل لاستخدامه فى التسوية الدنيا. وكانت هذه الركيزة تسمح ببناء أساسات متينة باستخدام وسائل بسيطة، وشارك نعوم شبيب بنتائج أبحاثه مع زملائه فى أمستردام إبان مؤتمر الاتحاد الدولى للخرسانة سابقة الإجهاد.
وكما قلت سابقا تاريخ الشوام المصريين غير بارز وكذلك المجموعات الأخرى المسماه خطأ بالأقليات، فنحن نعرف بعض التاريخ عنهم ولكن ليس كل التاريخ، فكم نحن باحتياج لتوثيق ونشر ذلك حتى نعرف تاريخنا جيدا ومن صنعه وكيف صنعه؛ ليكون إضافة لحضارة مصر العظيمة.