كثر هذه الأيام الكلام عن تجديد الخطاب الدينى فى مصر، وقد دعا إليه بل شدد عليه منذ أكثر من سنتين السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، وقد تلى بعد دعوة سيادته مقالات وكتب عن الخطاب الدينى الذى أخذ مصدر الصدارة فى جميع المقالات والكتب المتخصصة وغير المتخصصة فى ذلك الموضوع.
وحسب رأينا المتواضع، الذى يجب أن يتغير ليس الخطاب الدينى بل الفكر الدينى الذى يحتاج إلى أن يتجدد، لأن الخطاب الدينى هو نتاج فكر، لذلك الفكر هو الذى عليه أن يتجدد أولا ويوضع فى إطار الحداثة وفى واقع اليوم، وعندما يتم ذلك يواكبه تغير الخطاب الدينى الذى يضع النص فى الإطار الظرفى الذى نزل فيه ويستخلص رسالة الوحى والدروس المستفادة وتعليم الأنبياء ثم يوضع فى إطار التطبيق لليوم.
الكنيسة الكاثوليكية لها خبرة فى هذا الإطار، فقد مرت الكنيسة بالحرب العالمية الأولى والثانية. وحروب أصلية داخل أوروبا وأزمة المستعمرات وما إلى ذلك، وكان لابد من التجديد، ليس فقط الخطاب الدينى ولكن الفكر وإعادة قراءة نصوص الكتاب المقدس والتقليد الكنسى على ضوء العصر دون المساس بالعقيدة. فكان مجمع الفاتيكان الثانى المغامرة التى دخلت بها الكنيسة نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين.
لم يهتم المجمع بالتركيز على تعميق علاقة الإنسان بالله كما قد يظن البعض، ولكن محور المجمع كان الإنسان نفسه وكيفية تقديم العقائد ونصوص الكتاب المقدس فى خدمة الإنسان حتى يجد طريقه الإيمانى، لذا هذا المجمع هو مجمع رعائى من الطراز الأول وليس مجمعا «عقائديا» وإن كان فيه توضيح وتسهيل لبعض العقائد، لأن هدفه الأول هو «الإنسان» وكل إنسان.
وهذا المجمع تطلب كثيرا من المجهود للتحرر من أساليب الماضى والانتقال إلى أسلوب الحاضر بل والانتقال نحو مستقبل أكثر إشراقا كما أعطى للعلمانيين «الذين ليسوا رجال دين» وقد نجح المجمع فى بعض التجديد ومازال العمل مستمرا يوما بعد يوم وعلى جميع المستويات. تجديد الخطاب الإسلامى برهنت الأحداث على ضرورته، وصار تجديد الخطاب الدينى مسألة حياة أو موت وصار قاسما مشتركا بين كل الشعوب العربية مهما كانت بيئاتهم. ليس أمامنا من خيار سوى تجديد الخطاب الدينى تجديدا شاملا مشرفا، ولكى يتحقق ذلك لابد من التركيز على احترام حقوق الإنسان ومنها حق التدين وعدم استحلال حرماته بسبب الدين.
ليس تجديد الخطاب الدينى ما ينفع لتجنب ظاهرة التشدد الدينى بل تجديد الفكر الدينى، وذلك باستخدام مناهج علمية متطورة فى التعامل مع النص الدينى والتاريخى من خارج المؤسسات الدينية التى لابد أن تتحول إلى مؤسسات أكاديمية بعيدا عن القدسية الموروثة، فالمتدينون إلى الآن مازالوا يدورون فى فلك المنهج الوضعى والوصول للمنهج النقدى، فلا يبقى أمامنا غير تجديد طريقة التعامل مع النص. إن أكبر مشكلة تواجه المؤسسات الدينية هى المنهجية التى تتعامل بها مع النصوص الدينية فهى منهجية قديمة، إذ لا يريد القائمون على تلك المؤسسات الاحتكاك بالمناهج الحديثة التى تطورت فى الغرب والشرق بدعوى الحفاظ على الهوية والتراث، لأنهم بقبولها سيفقدون امتيازاتهم، لأنهم الوحيدون ممن يحتكرون تفسير النص الدينى.
هذه خبرة أردت أن أشارك فيها مشاركة بسيطة ومتواضعة. نحن نثق تماما فى قدرة مؤسساتنا وعلمائنا بأنهم قادرون على إيجاد المنهجية الملائمة القادرة على مواكبة العصر، وبعون الله تعالى على إحداث هذه الثورة الروحية والنقلة النوعية التى ينتظرها منهم الجميع.