نلقى العيد هذا العام بقلوب مثقلة ولسان حالنا يقول متسائلا: بأى حال عدت يا عيد!.. تلقى الصدمة الكارثية معهد الأورام فانهار مبناه وخرج مرضاه وأغلبهم من الأطفال فزعا إلى الشارع لا يدرون من أمرهم شيئا. مازالت صورة الأم تحتضن ابنها مريض السرطان بكلتا ذراعيها فى تشبث خوفا على أيامه الباقية أيا كان عددها من تداعيات قدر غادر كان له وقع الصاعقة التى تطعن ذاكرتنا بلا هوادة. فاجعة حقيقية تلك التى ألمت بنا وبمعهد السرطان ومرضاه وأطبائه سواء كان المعهد المقصود أو كما ذكرت الأنباء أن الفاعل كان فى طريقه لهدف آخر: فهى بلاشك فاجعة قومية.
رحم الله من يلقون وجه الله الكريم فى أكثر الأيام جلالا فتسعهم جنته شهداء عند ربهم يرزقون.
أما بعد فماذا نحن فاعلون؟!
انهالت الأرقام تعلن عن تبرعات فاقت الخيال تلك المرة فهل بالفعل كانت أرقاما حقيقية أم أنه إعلام ألوان الطيف الذى اعتاد تزييف الحقائق وتلوينها وفقا لهواه؟
أعلن الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة أن التبرعات التى وصلت إلى المعهد القومى للأورام لدعمه وصلت إلى ٢٣ مليونا و١١١ ألفا و٦١٠ من الجنيهات المصرية. بينما أعلن أيضا أن التبرعات بالدولار لم يتم بعد تجهيز الكشف الخاص بها خاصة بعد إعلان الإعلام عن ملايين الدولارات التى انهالت من مصادر متعددة منها حاكم الإمارات وفخر العرب محمد صلاح!
رغم المرارة التى تملأ النفس إلا أن الأمر يحتاج منا وقفة حقيقية لمناقشة الأمر. قد نضرب المثل بما حدث بعد احتراق كنيسة النوتردام فى باريس والذى أرى أن ما حدث لدينا لا يقل أبدا أهمية عنه. احترق جزء عزيز من تاريخ فرنسا والعالم فى ذلك اليوم واحترقت قلوب المصريين وانقضت أعمار شهداء منهم بلا ذنب جنوه. تشكلت فى فرنسا لجنة على أعلى مستوى فنى وسياسى واقتصادى ومجتمعى وأمنى لتقييم ما حدث من كل الأوجه المتعلقة بالحدث وكيف يمكن إعادة الأثر إلى ما كان عليه من بهاء وفى أى فترة من الزمن وكم سيتكلف هذا وما الذى ستتكفل به الحكومة ومن الذى يمكن أن يساهم من الأفراد والمؤسسات بل والهيئات العالمية المهتمة بتراث الانسان وتاريخه.
جاء التقرير كاملا واضحا مفصلا بميزانية واضحة تتيح لأى إنسان وكل هيئة أو مؤسسة أن يجد لنفسه دورا وأن يحدد لإمكانياته مكانا فى خطة اكتمال العمل. بدأ العمل فى استعادة بهاء الأثر التاريخى النادر بعد أن اكتملت ميزانية الخطة وكل ما يلزم نجاحها وأعلن عن تمام الانتهاء منها بعد أربع سنوات.
فماذا فعلنا نحن: بدا أداء احتواء الحدث وتبعاته احترافيا تلك المرة: تحديد هوية الفاعل أمنيا ونجاح وزارة الصحة فى تسكين كل المرضى فى مستشفياتها لاستكمال علاجهم دون تعريضهم لمزيد من المعاناة والمضاعفات.
بدأ الحديث عن إعادة بناء مبنى معهد الأورام فلم يبق فى المحروسة إنسان أو إعلام أو وسيلة تواصل اجتماعى إلا وكان له رأى. علت الأصوات واختلطت وازداد اللغط والجدل وانهالت ارقام وهمية للتبرعات تلتها بعض التكذيبات وعلت التعليقات: هذا دفع وهذا لم يدفع! لماذا لم يدفع فلان أكثر من فلان؟ أين رجال الأعمال؟ هل حقا دفع محمد صلاح ثلاثة ملايين دولار؟
تحول الأمر لمرض مقيت أصابنى بمرارة من نوع آخر. مرارة ممزوجة بالإحساس بالخزى، ليس لأحد يا سادة أن يزايد على وطنية الآخر فهذا وطن لنا جميعا. كلنا الآن مسئولون عن درء الخطر وتضميد الجروح.
يجب أن تكون هناك هيئة عليا الآن تتولى تقييم ما حدث فى مبنى معهد الأورام وترسى قواعد خطة قومية لاستعادته فى أبهى وأكمل صورة ممكنة وتعيده لخدمة أولئك المرضى الذين أظن مرضهم أولى بالرعاية والعناية والعلاج. تعلن اللجنة عن الخطة الكاملة فنياتها واقتصادياتها وحاجيتاها لمتطوعين للعمل فيها كل هذا تحت إشراف مستقل يضمن شفافية كل خطوات العمل: بدءا من تلقى التبرعات والمستلزمات وترتيب الأولويات حتى تنظيم العمل وتوفير وسائل الأمن.
يا ألله.. كلنا اليوم وقوف بباك فاقبل منا دعاءنا وانصرنا على أنفسنا واهدنا وخفف عنا أوزارنا. واهدنا للحق وما فيه خير بلادنا.. آمين يا رب العالمين.