الاسلاموفوبيا والويستفوبيا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاسلاموفوبيا والويستفوبيا

نشر فى : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:25 م | آخر تحديث : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:25 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان، جاء فيه ما يلى:
منذ الأزمة المالية والاقتصادية التى عرفها العالم عام 2008، يشهد الغرب صعودا لتيار شعبوى وارتفاعا لموجة عنصرية شوفينية استعلائية ضد الأجانب، خصوصا بعد تدفق مئات الآلاف من اللاجئين فى ظل هجرة لم يشهد لها العالم مثيلا، إضافة إلى ما صاحب ذلك من حملة عالمية ضد ما سمى بـ«الإرهاب الدولى»، وترافقت هذه الوضعية مع نزعات لنفى التنوع والتعددية الثقافية أو التضييق على الحقوق والحريات المدنية بزعم الدفاع عن «قيم الثقافة الغربية».
وهكذا تعززت ظاهرة ما سمى بـ«الزينوفوبيا» أى (الرهاب من الأجانب)، تلك التى دانها «المؤتمر الدولى ضد العنصرية» الذى انعقد فى ديربن (جنوب إفريقيا) العام 2001، والذى اختتم أعماله عشية أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الإجرامية التى حصلت فى الولايات المتحدة ودانت فيه 3 آلاف منظمة حقوقية، ممارسات «إسرائيل» العنصرية، إلا أن محطة 11 سبتمبر سرقت الأضواء من هذه التظاهرة العالمية وحولت الأنظار من العنصرية إلى صبغ الإسلام بالدموية والعنف، فى إطار رد فعل شديد ضد الأجانب فى الغرب وأصبح الموقف منه نقطة دائمة ومثيرة فى البرامج الانتخابية، خصوصا أن الجدل احتدم بشأن طالبى اللجوء والمهاجرين بالتلازم مع انتعاش التيارات العنصرية والفاشية والاستعلائية الجديدة والقديمة.
وتقع ظاهرة «الإسلامفوبيا» (الرهاب من الإسلام) فى صميم الزينوفوبيا، التى جرت محاولات لأبلسة شعوب برمتها وشيطنة أمم بكاملها، بزعم أن دينها يحض على العنف ويشجع على الإرهاب، واستند أصحاب هذه الحملة إلى بعض أطروحات ماضوية، ناهيك عن ارتكابات للتنظيمات «الإسلاموية»، مثل تنظيم «القاعدة» و«داعش» وأخواتهما، والتى كانت تأثيراتها السلبية أشد خطورة على الشعوب والبلدان العربية والإسلامية، قبل الغرب، وأكثر منه بكثير، حيث شهدت هذه البلدان ساحة عملياتها الإرهابية الأساسية، تحت رايات التكفير والتأثيم والتحريم والتجريم.
وإذا كان التيار الشعبوى المعادى للأجانب بشكل عام والعرب والمسلمين بشكل خاص قد اتخذ من الزينوفوبيا أو الإسلامفوبيا، شماعة يعلق عليها مواقفه المتطرفة ونظرته المتعصبة إزاء مجتمعات وأمم وشعوب وأديان وملل ونحل كما يقال، فإن ما يقابله فى مجتمعاتنا هو الويستفوبيا، أى «الرهاب من الغرب»، واعتبار كل ما هو غربى غريبا، وكل غريب أجنبيا وبالتالى كل أجنبى مريبا، بل ويندرج فى خانة الخصم أو العدو، وغير ذلك من التصنيفات الجاهزة، التى تستعدى كل آخر مهما كان.
فالآخر «عدو» حسب وجهة النظر الإرهابية طالما يخالف توجهاتها وتفسيراتها للشريعة السمحاء، والأساس فى هذا التفكير التكفيرى هو التعصب الذى يتحول إلى تطرف إذا ما انتقل من التفكير إلى الممارسة، والتطرف إذا أصبح سلوكا ينتج عنفا، والعنف بهذا المعنى يستهدف تصفية الخصم أو العدو أو إسكاته أو حجب حقه فى التعبير، لأسباب دينية أو طائفية أو إثنية أو سلالية أو لغوية أو لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك، لأنه يستهدف الضحايا بذاتهم ولذاتهم، لكن العنف يصبح إرهابا إذا ضرب عشوائيا، بهدف زعزعة ثقة المواطن بالدولة، وإضعاف ثقة المجتمع بها، مثلما يقود إلى إضعاف ثقة الدولة بنفسها.
ولا يفرق أصحاب التوجهات «الإسلاموية» المتعصبة والمتطرفة ونموذجها «القاعدة» و«داعش»، بين الغرب الثقافى والإنسانى، وبين الغرب السياسى الاستعلائى، وإذا كان هذا الأخير يعبر عن فلسفات ومصالح ونزعات استعمارية وعنصرية وسعى للهيمنة ونهب ثروات الشعوب ومحاولة استتباعها، فإن الغرب الثقافى والإنسانى، أو أجزاء مهمة منه على الأقل، وقف إلى جانب الكثير من قضايانا العادلة وفى المقدمة منها حقوق الشعب العربى الفلسطينى، وبعد ذلك فلا بد من نظرة أشمل وأوسع، لأن الغرب، بغض النظر عن توجهاته العدوانية ومصالحه الأنانية، يمثل مستودعا كبيرا للثقافة والحداثة والعلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى الجمال والعمران والفن والأدب، وأفادت منه البشرية كثيرا، وهو التتمة الحضارية لما أنجزته الإنسانية من تقدم وتراكم عبر العصور المختلفة.
الإسلامفوبيا وعكسها الويستفوبيا يزعمان امتلاك الحقيقة أو النطق باسمها، مثلما يدعيان حقهما فى «احتكار العدالة»، تحت عناوين مختلفة، فهناك فى الغرب من يتصرف من موقع السيد والمتنفذ باعتباره القاضى الدولى المخول حتى دون محكمة أو محاكمة، وبالطبع دون تفويض وخلافا لقواعد القانون الدولى المعاصر وميثاق الأمم المتحدة، وهناك من يرفض كل قانون أو حق أو حقيقة، إلا وجهة نظره ويتصرف خارج كل هذه السياقات، تحت زعم «قيم السماء» و«الشريعة» وغير ذلك، وكلاهما لا يقيم وزنا للقانون أو احتراما للآخر أو اعترافا بحقه فى الاختلاف.
كل طرف يريد إلغاء الطرف الآخر، فـ«وجه» التعصب الغربى «قفاه» التعصب الإسلاموى، بل إنهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يمارسان الانتقام والثأر والكيدية، وتلك ليست بقاعدة فى العلاقات الدولية والقانون الدولى المعاصر، بل إن فرضها سيؤدى إلى سيادة منطق الغاب وهيمنة الفوضى واستشراء العنف وسيطرة الإرهاب، وذلك هو الزاد التعصبى المتطرف للإسلامفوبيا والويستفوبيا، ولثقافة الكراهية وادعاء الأفضليات.

الخليج ــ الإمارات

التعليقات