نشر مركز The International Crisis Group مقالا للكاتبتين آن جاكوبز، ولور فاوشر. ذكرتا فيه دوافع إسرائيل لإنشاء ناتو شرق أوسطى، وأسباب إعراض الدول الخليجية عن هذا المشروع. كما تناولتا محاولات تل أبيب للضغط من أجل إتمام هذا التحالف.. نعرض من المقال ما يلى.
تسعى إسرائيل، لاحتواء ما تعتبره تهديدًا من إيران، إلى تعاون عسكرى كبير مع دول الخليج، حتى إنه تم الحديث عن إنشاء «ناتو شرق أوسطى». لكن صحيح أن العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج تسير بوتيرة كبيرة. حيث قامت الإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتهما مع تل أبيب منذ توقيع اتفاقيات أبراهام فى عام 2020، وأبرمت إسرائيل أول اتفاقية للتجارة الحرة مع الإمارات فى مايو وبدأت محادثات فى نفس المجال مع البحرين. كما وافقت إسرائيل على بيع نظام دفاع جوى للإمارات وطائرات بدون طيار وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار للمنامة، إلا أن هناك حدودا للتعاون بين الطرفين الإسرائيلى والخليجى. بمعنى أن أبو ظبى والمنامة تشتركان فى وجهة نظر مفادها أن التحالف العسكرى مع إسرائيل ضد طهران سيحمل مخاطر كبيرة للغاية قد تثير حربا مع إيران، والفوائد فى المقابل ستكون محدودة. وبناء عليه، تنأى دول الخليج بنفسها صراحةً عن أى شيء من شأنه أن يضعها فى صراع مع طهران. ومن المرجح أن يستمروا فى هذا المسار سواء نجحت محادثات الاتفاق النووى أو فشلت.
• • •
التحالف العسكرى مع دول الخليج هو الركيزة الثالثة لاستراتيجية إسرائيل لمواجهة إيران. الركيزة الأولى هى تطوير خيار عسكرى ذى مصداقية لتوجيه ضربة قوية لبرنامج إيران النووى بالتنسيق مع الولايات المتحدة. الركيزة الثانية تشمل الجهود المبذولة لتقويض برامج طهران النووية والصواريخ الباليستية، بما فى ذلك الضغط الاقتصادى الدولى المنسق والهجمات الإسرائيلية السرية والإلكترونية على المنشآت الإيرانية، فضلا عن اغتيالات الموظفين الإيرانيين.
أما الركيزة الثالثة (التحالف العسكرى مع دول الخليج) فترى إسرائيل أنها تخدم أغراضًا متعددة. فمن خلالها ستهدف تل أبيب إلى إنشاء نظام دفاع جوى جماعى يمنحها ثلاث مزايا محددة وهى: أولا ستتمكن من وضع أجهزة استشعار فى دول الخليج، مما سيتيح للقادة الإسرائيليين مزيدًا من الوقت للرد على أى هجوم إيرانى. ثانيًا، من شأن هذا التحالف أن يعزز من الخيارات العسكرية لإسرائيل، وبالتالى تقوية موقفها الرادع. أخيرًا، سيعمل التحالف على تعزيز تحالف سياسى يقف وراء عزل إيران، ليس فقط على المستوى العالمى ولكن أيضًا داخل الشرق الأوسط نفسه.
لكن على الرغم من التوقعات الإسرائيلية العالية، حظيت الفكرة باستقبال بارد من مسئولى دول الخليج. فعلى هامش رحلة بايدن إلى السعودية فى يوليو الماضى، قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسى لرئيس الإمارات: «نحن منفتحون على التعاون، ولكن ليس التعاون الذى يستهدف أى دولة أخرى فى المنطقة وأنا أذكر إيران على وجه التحديد». وفى مؤتمر صحفى، رفض وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان آل سعود فكرة «الناتو العربى» وقال إن الرياض لم تشارك فى أى مداولات حول مثل هذا التحالف. وأضاف فى وقت لاحق أن المملكة مدت يدها لإيران وأن المحادثات حتى الآن كانت إيجابية، حتى لو لم تسفر عن نتائج بعد.
• • •
السعودية والإمارات، اللتان اتخذتا تقليديًا مواقف أكثر صرامة تجاه إيران من جيرانهما الخليجيين، هما الدولتان اللتان عدلتا بشكل ملحوظ نهجهما تجاه طهران. يعود الفضل جزئيًا إلى تراجع قوة واشنطن فى المنطقة. وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للرياض وأبو ظبى هو رد إدارة ترامب الفاتر عندما هاجمت جماعة الحوثيين المرتبطة بإيران منشآت نفط أرامكو السعودية، وكذلك سفنا تجارية إماراتية قبالة سواحل إمارة الفجيرة فى عام 2019. وبالمثل، شعرت دول الخليج بالقلق بعد أن شنت الولايات المتحدة هجومًا أسفر عن مقتل قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، مع تجاهل واشنطن الواضح لكيفية انتقام طهران فى الخليج. ومؤخرا، شعرت الإمارات بالغضب عندما تجاهلت إدارة بايدن الضربات الحوثية بطائرات بدون طيار ضد أبوظبى فى يناير 2022.
هكذا خلصت الإمارات والسعودية إلى أنه يتعين عليهما إيجاد طرق لتوفير أمنهما بشكل أفضل. فعلى الرغم من أن البلدين ما زالا ينظران إلى إيران على أنها تهديد، فقد قررا استخدام الدبلوماسية. مثلا، فى أعقاب الهجوم على سفن إماراتية فى منتصف عام 2019، أرسل ــ آنذاك ــ ولى عهد الإمارات محمد بن زايد العديد من كبار المسئولين الأمنيين، بمن فيهم أخوه ومستشار الأمن القومى الإماراتى الشيخ طحنون بن زايد، فى أكتوبر 2019، إلى طهران لإجراء محادثات لمناقشة الأمن البحرى والمساعدة فى تهدئة التوترات. كما وسع البلدان حوارهما فى أوائل عام 2021، وبلغ ذروته بالقيام بعدة زيارات رفيعة المستوى لمسئولين إماراتيين، بما فى ذلك زيارة أخرى للشيخ طحنون إلى إيران فى نهاية عام 2021. أما فى أغسطس 2022، أعلنت الإمارات عن استعادة علاقاتها مع إيران بشكل كامل، حيث عينت سفيرا لها فى طهران لأول مرة منذ ست سنوات.
وبالتوازى مع ذلك، أطلقت السعودية مبادرتها فى أبريل الماضى، فأرسلت رئيس استخباراتها للقاء وفد إيرانى فى بغداد. وحتى الآن، التقى مسئولون استخباراتيون وأمنيون سعوديون وإيرانيون خمس مرات لإجراء محادثات، ركزوا على المخاوف الأمنية الإقليمية، بما فى ذلك الحرب فى اليمن.
باختصار، بينما تحاول دول الخليج خفض حدة التوتر مع إيران، فإنهم لا يرون أن الانضمام إلى تحالف عسكرى مناهض لإيران مع إسرائيل يتماشى مع مصالحهم؛ هم يرون أن ذلك يمكن أن يلحق بهم ضررًا خطيرًا. بمعنى أن أى نهج تصادمى لإسرائيل تجاه إيران سوف يستدعى انتقامًا إيرانيًا قد تصبح فيه دول الخليج ضحية محتومة. من جانبها، أوضحت طهران أنها بينما تتسامح مع تطبيع دول الخليج للعلاقات مع إسرائيل، فإنها ستعمل ضدها عسكريا إذا سمحت لإسرائيل باستخدام أراضيها (أراضى الخليج) فى عمليات عسكرية أو استخباراتية تستهدف إيران.
هناك أيضًا اعتبارات سياسية داخلية. قد تواجه حكومات دول الخليج رد فعل داخليا عنيفا إذا اقتربت من إسرائيل بسرعة كبيرة. فالتأييد العام لتوطيد العلاقات مع إسرائيل منخفض أو شبه معدوم. ولا يزال الدعم الشعبى للقضية الفلسطينية مرتفعا فى الدول العربية، بما فى ذلك الخليج.
• • •
إذن، استعرضنا فيما سلف دوافع إسرائيل الملحة لإنشاء تحالف شرق أوسطى لمجابهة طهران، وأسباب إحجام الدول الخليجية عن هكذا تحالف. لكن ماذا عن رد فعل تل أبيب تجاه موقف الدول الخليجية من فكرة «ناتو الشرق الأوسط».
بداية، يبدو أن عددًا كبيرًا من كبار المسئولين الإسرائيليين يعتقدون أن دول الخليج ــ مثل الإمارات ــ ستغير موقفها بمرور الوقت، خاصة إذا زاد التهديد الإيرانى. تل أبيب عازمة على مساعدة هذه العملية من خلال محاولة إقناع الإماراتيين وغيرهم بأن الجمع بين وسائل الدفاع، مثلا من خلال منح الجيوش الخليجية إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الرادار الإسرائيلية كجزء من نظام دفاع جوى مشترك، سيكون ذا فائدة مشتركة.
كما يعرض مسئولون إسرائيليون نظرة أكثر واقعية لنوايا دول الخليج، تتلخص فى أن حكومات الخليج تشارك إسرائيل مخاوفها بشأن القوة العسكرية المتنامية لإيران، لكنها تفتقر إلى أى بديل سوى متابعة الحوار مع طهران. المسئولون الإسرائيليون أشاروا أيضا إلى أن دول الخليج تدرك أنها لا تملك القدرة العسكرية الخاصة بها لردع إيران عسكريًا، ومع ذلك يدرك نفس المسئولين أن التحالف الإقليمى لن يساعد بالضرورة دول الخليج فى هذا الصدد، لأن لا إسرائيل ولا الغرب سيمنحون (دول الخليج) قدرات ردع كافية، خاصة فى ظل غياب النية لتغيير عقيدة التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل. علاوة على ذلك، فإن التحالف العسكرى لن يقضى على خطر المواجهة بين دول الخليج وبين إيران، ببساطة لأن إسرائيل لن تكون مظلة عسكرية لدول المنطقة.
فى كل الأحوال، ستستمر إسرائيل فى الضغط من أجل تعزيز التعاون العسكرى الإقليمى كحصن منيع ضد إيران. وفى ضوء مقاومة دول الخليج للانضمام إلى تحالف عسكرى مناهض لإيران، يبدو أن الحل البديل الوحيد لبناء الجسور هو القيادة المركزية الأمريكية أو سينتكوم (واحدة من أحد عشر قيادة مُقاتِلة موحَّدة لوزارة الدفاع الأمريكية متمركزة فى الشرق الأوسط). منحت القيادة المركزية لإسرائيل مقعدًا على نفس الطاولة مع ضباط من الجيوش الإقليمية. ومن خلال القيادة المركزية، تستطيع إسرائيل المشاركة فى الاجتماعات والتدريبات الإقليمية دون تعريض حكومات دول الخليج لانتقادات داخلية. بالإضافة إلى ذلك، القيادة المركزية توفر منبرًا لإسرائيل لتطوير علاقات عسكرية ثنائية مع دول الخليج. على سبيل المثال، فى مارس الماضى، استضاف قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزى اجتماعًا فى مصر لرؤساء أركان الجيش الإسرائيلى ودول المنطقة، بما فى ذلك السعودية وقطر، ولم يتخذ أى منهما خطوة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، لا يوجد عمليا أى احتمال أن يؤدى التعاون فى إطار القيادة المركزية إلى ظهور «ناتو شرق أوسطى». وحتى وسط احتمال تصاعد التوترات الإقليمية بسبب انهيار المحادثات النووية، أو بسبب تغيير القيادة الأمريكية فى انتخابات 2024 أو غيرها من الأسباب، فإن دول الخليج تعتقد أنها ستكون فى وضع أفضل إذا ركزوا الآن على الحفاظ، وربما حتى توسيع، قنوات الاتصال مع إيران بدلا من الانضمام إلى إسرائيل فى تحالف أمنى تصادمى قد يأتى بنتائج عكسية عليهم.