استقبلت الشهر الماضى مجموعة صديقات من دولة عربية شقيقة، استغرق قرار مجيئهم إلى مصر الكثير من الجدل داخل عائلاتهم لخوفهم من آثار الانفلات الأمنى والمظاهرات الفئوية والحوادث الطائفية وكلها أحداث تصل إليهم عن طريق نشرات الأخبار والإنترنت فيشعرون أن مصر تغلى فوق فوهة بركان. بعد وصول الصديقات وقضائهم أسبوع كامل دون التعرض لأية مشاكل من أى نوع تساءلت إحداهن فى دهشة: إزاى دى بلد فيها ثورة ولسه ماشية بالسلاسة دى؟، فأجاب سائق التاكسى الذى كان يقلنا فى تلقائية: عشان على منحدر.. العربية يا أبله وهى فى منزل مش محتاجة سواق..هى هتبطل لوحدها أول لا مؤاخذة ما تخبط فى قعر الحفرة، وبعيدا عن النظرة التشاؤمية لحزب سواقين التاكسى عموما اللى كلهم تقريبا حافظين نشيد «طريقك مسدود مسدود يا ولدى»، وبعيدا عن مدى انبهار صديقتى بحكمة سواقين التاكسى فى مصر واللى خلتها تقضى يومين كاملين بتركب تاكسيات فقط عشان تستطلع آراء السواقين مش عشان تروح أى مكان سياحى...
خلينا نسلم بحقيقتين مهمتين، أولا : إحنا بلد تعيش معجزة، بلد تسير بطريقة شبه سلسة رغم إن لا فيه رئيس دولة ولا مجلس شعب وشرطتها مقموصة من شعبها ورئيس وزراءها جارى دايما البحث عنه وماحدش لاقيه ووزير داخليتها بينام الساعة 7 وعشان كده بيفوته حضور أى من الحوادث الدموية اللى غالبا بتبتدى أحداثها بعد عشرة ونص. ثانيا : إحنا شعب مش عاجبه الموضوع ده، تحس إننا بنتلكك على مصيبة وبندعبس على كارثة من أول ما بنصحى كل يوم الصبح، يمكن عشان إحنا بطبيعتنا شعب متشائم، يمكن عشان وحشنا شعور التمرد أثناء الثورة ونفسنا نعيشه على طول، أو يمكن ــ وده الأرجح ــ إن كبت 30 سنة لازم يولد الرغبـــة فى الانتقـــام من آثـــار السنين دى كلها.
بدأنا أيام الثورة بصور مبارك وده شىء مفهوم، ثم بعد كده انتقلنا لأقسام الشرطة وده شىء متوقع، ثم لمبنى أمانة الحزب الوطنى وده كان شىء جميل الصراحة. وإذا كان الكثيرون بيعتقدوا فى قرارة نفسهم إن كل ده كان رد فعل طبيعى لشعب عانى من سلطته اللى مرمطته فكان طبيعى إنه يحاول الانتقام منها، لكن ليه انتقل الموضوع للانتقام من أى شىء وكل شىء حوالينا رغم إننا لوحدنا اللى هنبقى المضرورين؟، اللى يمشى فى شوارع مصر يحس إن الثورة قامت عشان الناس تضيق على بعضها، عشان يركنوا صف تانى وتالت ورابع وخامس أحيانا.. اللى يعدى على أرض زراعية يحس إن المصريين قرروا يجوعوا بعضهم، وليه تاكل لما ممكن تسكن فى بيت على أرض بورناها من أجلك أنت؟ ،اللى يعدى جنب أى حيطة، جنب أى سور، يحس إن فيه مجموعة من الشباب الواعد قرروا إن البقية الباقية من الجدران النضيفة مالهاش مكان فى البلد دى واحسنلها تشوفله مكان تانى، ده غير تعطيل طريق البشر عشان حوافز أو علاوة ليها أكيد اعتماد فى مغارة على بابا اللى اكتشفناها بعد 25 يناير.
و لا نغفل الناس اللى قررت تغير بإيديها أى شىء مش على هواها دون انتظار لأحكام أو قوانين، «يا عم إحنا فى ثورة صباح الخير» جملة أصبحنا بنسمعها كتير، خاصة لو حد عايز يكسر قاعدة أو ياخد حق مش حقه أو يتعدى على القانون، لحد دلوقتى إحنا دولة متماسكة، بعضنا بيحاول بأقصى طاقته إنه يحتفظ بأخلاق الميدان، حتى لو ما كانش فى الميدان، بعضنا بيحاول يكون جزءا من مستقبل أفضل ويضرب أمثلة أجمل وأروع لأجيال جاية هتقرا عن الأيام دى فى كتب التاريخ، بس البعض التانى مصمم إنهم يدرسوا الفترة دى على إنها الفترة اللى الشعب المصرى ظن فيها إنه عليه إنه يواصل إنتقامه من السلطة واتضح فى النهاية إنه زى اللى بيقطع صوابع إيديه.