تنعقد قمة الرياض فى ١١ نوفمبر بناء على طلب السلطة الفلسطينية ودعوة المملكة العربية السعودية، وعلى رأس جدول أعمالها «طوفان الأقصى»، ورد فعل إسرائيل العنيف ضد أهل غزة، ومقتل حوالى ١٠ آلاف فلسطينى، وجرح ما تجاوز ٢٠ ألفا وتدمير أكثر من ٢٥٪ من القطاع، مما أثار حفيظة الآلاف والآلاف عربيا وحول العالم. حتى ممن يعارضون حماس وأدانوا بشدة عمليات ٧ أكتوبر، وكان على رأسهم سكرتير عام الأمم المتحدة الذى عنف إسرائيل وجعلها تطالب باستقالته.
والكل ينظر الآن إلى الرياض، والمواقف الذى ستتخذها الدول العربية فى القمة، منهم أهل غزة الذين يتطلعون إلى موقف عربى يفرض وقفا للعمليات الإسرائيلية وانفراجة لأزمتهم الإنسانية.
ومعهم الرأى العام العربى عامة، يتابع الأحداث بقلق واضطراب، ويتساءل: هل سيتخذ القادة مواقف محددة، وهناك استطلاعات رأى عربية حديثة تعكس ــ وللأسف ــ أن العالم العربى أصبح أقل ثقة فى العمل العربى المشترك، حتى عندما تعقد الاجتماعات على مستوى القمة.
والساحة الغربية والدولية حكومات وشعوبا تتابع القمة أيضا بقدر من القلق، ومتطلعة لمعرفة رد الفعل العربى الرسمى لتلك الأحداث الدموية الإسرائيلية، ومدى الحاجة إلى تطوير المواقف الغربية بعد ما شهدناه من انحياز غربى لاسرائيل، تجاوز كل الحدود، برفض تأييد وقف إطلاق النار، رغم ممارسات اسرائيل الفجة والمخالفة لكل قواعد القانون الدولى والإنسانى.
وهناك متابعة دبلوماسية وتحليلية من الحكومات والمحللون، وشغف لاقتراحات ومواقف عربية للخروج من المأزق الحالى، وآمال فى استعداد بعض الحكومات القيام بمزيد من الأدوار فى الساحة الغزاوية لإحداث انفراجة سياسية حول المختطفين، وتجنب توسيع رقعة النزاع إقليميا، وتولى مسئولية ادارة قطاع غزة، اذا تم التوصل إلى وقف اطلاق نار، باعتبار أن إسرائيل ستجعل أى وقف للعمليات العسكرية مرهونا بعدم تولى حماس زمام الأمور بالقطاع مرة اخرى.
وتتابع إسرائيل الإعداد للقمة وإنما دون انزعاج وقلق حقيقى، حيث إن الأغلبية مؤيدة للتعامل العسكرى مع غزة، حتى ممن يتحفظ على سياسات الحكومة الاسرائيلية الحالية، ومن نقاط الاهتمام والمتابعة لهولاء سيظهر هل تقرر المزيد من الدول تخفيض علاقاتها مع إسرائيل أم لا.
والأمور لم تعد تسمح بالاكتفاء الإدانات والشجب، ورد فعل القمة يجب أن يكون فى شكل مواقف وقرارات وإجراءات محددة، وكفى بنا كلاما!
ويجب ألا تنصب أو تركز مداولات القمة على قضية تأييد حماس من عدمه، أو حتى حول ما اذا كانت حماس محقة او مخطئة فى عملياتها يوم ٧ أكتوبر، ليترك هذا إلى نقاش فلسطينى فلسطينى أو عربى فلسطينى فى يوم آخر، القضية الآن هى كيفية وقف الإبادة المتعمدة التى تتم للشعب الفلسطينى، ومحاولة إسرائيل انتهاز الأحداث الأخيرة للقضاء نهائيا على ما تبقى من فرص ضئيلة لإقامة دولة فلسطينية بجوار اسرائيل، بما فى ذلك من خلال شيطنة الشعب الفلسطينى عامة فى غزة والضفة، وتهجيره اولا من القطاع ثم من الضفة، يجب أن يكون ذلك فى الأذهان قبل وأثناء القمة.
وعلى المشاركين فى القمة جماعة وفرادى تأكيد أنهم لن يقبلوا التجاوزات الإسرائيلية تجاه شعب غزة دون رد فعل عربى، قد يكون رد الفعل جماعيا أو فرديا فيما يتعلق بعلاقات الدول مع اسرائيل، لأن البعض لديها علاقات والبعض الآخر لم يتخذ هذه الخطوة.
ويجب ألا يقتصر رد الفعل العربى الجماعى أو الفردى على مسألة استمرار العلاقات على مستواها من عدمه، وعلى القمة اتخاذ قرارات بطرح التجاوزات الإسرائيلية على المحافل الدولية السياسية والقانونية، لمحاسبتها على تجاوزاتها للقانون الدولى الإنسانى وطلب تعويضات للشعب الغزاوى، حتى إذا اقتضى الأمر اللجوء إلى المؤسسات الوطنية القانونية لطرح هذه التجاوزات والمحاسبة عليها.
وسؤال آخر وهام يتم تداوله دوليا بين الدبلوماسيين والمحللين خاصة فى الدول الغربية، هو هل توافق الدول العربية أو بعضها على تحمل مسئولية ادارة قطاع غزة، كخطوة نحو تهدئة الأمور، على أساس أن إسرائيل لن تقبل بالعودة إلى الماضى وإعادة سيطرة حماس على القطاع، وقد تابعت أخيرا أطروحات حول هذه المسالة تحت غطاء أممى دولى بمشاركة عربية متنوعة، وسئلت عن جوانب عديدة وتفصيلية لهذا السيناريو، ومن ثم ستكون من القضايا المتداولة خلال اتصالات القمة، حتى إذا لم تكن من ضمن الأمور التى تفرض على القمة اتخاذ موقف علنى واضح ومحدد منها حاليا.
ولن يكون مستغربا أن تتردد الدول العربية فى تحمل مسئولية غزة، لصعوبة ساحة القطاع عامة وعدم وضوح الرؤية حول الأطراف الفاعلة فيه، ولحساسية استلام تلك المسئولية على أعتاب القذف الجوى والبرى الإسرائيلى، والذى سيكشف رفع الأنقاض فى غزة مدى وحشيته وجسامته، هذا علما بأنه يتوقع ان تمسك إسرائيل بالحق فى التوغل والتصرف أمنيا فى غزة إذا رأت الحاجة لذلك، على غرار ما تقوم به فى الضفة الغربية، مما سيضع التواجد العربى فى موقف محرج وغير واضح المعالم.
ومن مصادر القلق العربى كذلك عدم وضوح الرؤية بالنسبة للغرض من هذه المهمة وطولها، فاذا كان الأمر ينصب على تهوين وتحسين الظروف الإنسانية للقطاع فهناك مؤسسات ومنظمات انسانية دولية وعربية تستطيع القيام بهذا الدور، خاصة أن الدعم العربى والدولى الإنسانى لن يتأخر، أما اذا كانت المهمة أوسع من ذلك وتحمل فى طياتها مسئولية سياسية وأمنية، فمن الطبيعى أن يشكك العرب فى النوايا الإسرائيلية، خاصة لم توجد حكومة إسرائيلية جادة فى التوصل إلى سلام فلسطينى إسرائيلى واقامة دولة فلسطينية مستقلة، بما يعنى أن التجمع العربى الذى يدير غزة سيتحمل مسئولية متواصلة وشبه دائمة فى تجنب انفجارات فلسطينية إسرائيلية من القطاع، وإقناع السكان بالهدنة والمهادنة المطولة ونبذ العنف، وهو أمر سيكون صعب التحقيق بعد القتل المبرح للفلسطينى أخيرا وآلاف الضحايا فى القطاع.
ومن ثم فيفضل أن ينصب الطرح العربى وأى قرارات تصدر عن القمة على ثلاثة محاور متزامنة مرتبطة بعضها ببعض، اولها وقف إطلاق النار وخلق ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية والطوارئ، ومحور اخر خاص بالإجراءات المرتبطة بالتصرفات والمخالفات الإسرائيلية، واخرهم حول حل الازمة الحالية بعد تثبيت وقف إطلاق النار، على أن يكون المحور الأول والثالث جزء لا يتجزأ من حل سياسى شامل للنزاع العربى الإسرائيلى، والتزام الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى بحل الدولتين بجميع تفاصيله، وكلها متاحة من اجتماعات ومفاوضات إسرائيل والسلطة الفلسطينية فى طابا، وفى مستندات أخرى، وفى هذا الإطار يمكن بحث تفاصيل مرحلة انتقالية لقطاع غزة، وكذلك التعامل مع مسألة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن يقنن كل ذلك و ان الضفة الغربية وقطاع غزة تشكل دولة فلسطينية تحت الاحتلال، وذلك فى قرار من مجلس الأمن الدولى تأكيدا على مسيرة الحل المتفق عليه ودعم الكل له.