أزمة الإخوان أنهم لم يصدقوا طلعت زكريا من البداية.
كانت الجماعة فى ميدان التحرير مع شركاء الثورة تناضل من أجل إسقاط مبارك، فيما طلعت زكريا يتحدث عن المخدرات والعلاقات الجنسية الكاملة التى تنتشر فى الميدان.
لم يصدق الإخوان طلعت زكريا، هاجموه ووضعوا اسمه فى صدر القوائم السوداء، حتى جاء اليوم الذى انتقل فيه الإخوان من الميدان إلى مقرات السلطة، وانتقل فيه الثوار من الاحتجاج ضد مبارك فى ميدان التحرير، إلى الاحتجاج ضد مرسى فى ميدان الاتحادية، وخرجت الجماعة تتحدث عن الجنس والمخدرات وحبوب منع الحمل التى ضبطوها فى خيام المعتصمين التى هدموها فى غزوة القصر.
لم يصدق الإخوان ما كان يقوله طلعت زكريا حتى شاهدوه بأنفسهم، أو ربما كانوا يشاهدونه ويعرفون أن طلعت زكريا يقول الحقيقة، لكنهم كانوا يتغاضون عن الجنس والمخدرات فى الميدان حتى تنجح الثورة ويسقط مبارك، ربما كانوا يحرسون الخيام التى تتم فى داخلها هذه الأعمال الشنيعة.. ربما.
لم يصدق الإخوان أو تغاضوا عن أن ثورة يناير حسب طلعت، كانت ثورة والعياذ بالله نجسة، لعبت «الدعارة» فى أساسها، حتى جاء حليفهم الشيخ السلفى ليقول إن الفنانة الشهيرة كادت تخرج من الميدان وهى حامل، أثناء مشاركاتها فى الاحتجاجات ضد الرئيس المؤمن.
لم يصدق الإخوان عمر سليمان حين كان يتحدث عن المؤامرة التى تم التخطيط لها بليل، والتمويل والأجندات الخارجية، صحيح أن الرجل لم يقدم دليلا على هذه المؤامرة، لكن كان واجبا على الإخوان أن يصدقوا أن كل تظاهر مؤامرة، وكل احتجاج عمالة وخيانة، لم يصدق الإخوان أو تغاضوا حتى خرج الرئيس القادم منهم يصم كل المحتجين ضده بأنهم ضالعون فى المؤامرة الكونية الداخلية الخارجية التمويلية الفظيعة الشنيعة، ودون أن يقدم أدلة، حتى أولئك الذين قال إنهم اعترفوا أخلت النيابة سبيلهم لأنهم أبرياء.
لم يصدق الإخوان أو تغاضوا عن أحاديث «كنتاكى»، لكنهم اكتشفوا بعد عامين من الثورة أن الكنتاكى تحولت إلى «جبنة نستو»، لم يصدق الإخوان أن الإعلام كاذب ومحرض، لم يسمعوا النظام السابق وهو يتهم إبراهيم عيسى ومحمود سعد وحمدى قنديل ومنى الشاذلى وغيرهم بالخيانة والعمالة وإثارة الجماهير، لم يصدقوا النظام وهو يقول إن الصحف الخاصة يحركها رجال الأعمال لخدمة أغراضهم وأجنداتهم الخارجية الخبيثة، حتى اضطروا للهتاف بعد عامين من الثورة لتطهير الإعلام، ووقف حلفاؤهم معتصمين أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، وأوقف وزير إعلامهم بث القنوات، وحاصرت البلاغات الرئاسية الإعلاميين والصحفيين، واقتنصت رصاصاتهم رأس الحسينى أبوضيف.
لم يصدق الإخوان حين كانوا مع شركائهم فى ميدان التحرير المشايخ الذين كفروا الخارجين على الحاكم، ولا من قالوا «حكم غشوم ولا فتنة تدوم» حتى اضطروا بعد عامين من الثورة لتكفير معارضى الرئيس الذى جاء منهم.
لم يصدق الإخوان تامر من غمرة، حتى اضطروا لإنتاج تامرهم، لم يصدق الإخوان ما يقوله دفاع المتهمين فى موقعة الجمل من أنهم كانوا يريدون التظاهر والتعبير عن رأيهم المؤيد لبقاء مبارك، لكن الاحتكاك مع المعارضين أوقع المجزرة، لم يصدقوا أن ميدان التحرير كان لا ينبغى أن تحتكره فئة دون أخرى، وكان المفروض أن يسمح لمؤيدى مبارك بحق التعبير، لم يصدق الإخوان كل ذلك حتى اضطروا لفعله.
ليت الجماعة صدقت النظام السابق.. فقد كان إليها أقرب، على الأقل كان يصدقهم ويصدقونه، وهاهم حين لم يصدقوه اكتشفوا أن كل ما كان يقوله «صحيح».. وأن «الحق أبلج والباطل لجلج».