تستطيع أن تعلق على نتائج انتخابات النقابات المهنية المختلفة التى أجريت عقب الثورة من عدة محاور، قد تكون من أولئك الذين تستبد بهم الفزاعة الإسلامية، فتجد فى هذه الانتخابات بصيص أمل، تقول لنفسك ها هم الإخوان يخسرون فى أغلب الانتخابات بما يثبت أن الانتخابات البرلمانية كانت لها خصوصيتها المؤقتة التى لا تعنى بالضرورة استمرار التفوق الإخوانى فى صناديق الاقتراع.
وقد تكون أحد المنتمين للمعارضة الجديدة وتواجه يوميا بمخاوف الناس وتحاول أن تستخدم هذه النتائج فى إرسال رسائل طمأنة على ذات النحو، لتقنع الناس بأن العمل فى الشارع قادر على تغيير أى مسلمات انتخابية، وربما تكون من أولئك الذين استبد بهم الفزع المشروع داخل الجماعة، ورأى فى هذه النتائج رسائل من القطاعات المهنية المتعلمة بأن شعبية الجماعة ربما تكون فى تراجع بفعل أداء الأغلبية فى البرلمان أو الخطاب العام، ومن ثم تشرع إلى تحليل النتائج ورصد مناطق القصور لمعالجتها سريعا، وهذا حقك وربما واجبك أيضا.
لكننى شخصيا غير مكترث بأى رسائل من تلك، لا أستطيع أن أقرأ خسارة الإخوان للنقابات المهنية بذات الصورة التى ترى فيها الاطمئنان بأن هذا هو حجم الإخوان الحقيقى باعتبارهم جزءا من حالة تنوع سياسى فى الشارع لا يستطيع أحد احتكارها، أو أن ذلك دليل على تراجع الجماعة بما يعنى أن نتائج أية انتخابات عامة مبكرة أو قادمة ستكون مختلفة تماما عن السابقة سواء فى أداء القوى المختلفة أو فى حجم نتائج الجماعة ذاتها.
الرسالة التى تعنينى شخصيا أن التنافس فى الانتخابات النقابية بشكله الحالى هو دليل قاطع على أن الثورة لم تستطع أن تغير شيئا حقيقيا فى بنية المجتمع ولا فى ثقافته ولا فى أدواته، هى فقط أسقطت مبارك وحزبه، وتركت مكانهما فراغا كبيرا تصارعت القوى الباقية على ملء هذا الفراغ بذات الأساليب والأدوات التى كانت سائدة فى عصر مبارك.
التنافس السياسى فى مسائل نقابية دليل صارخ، على ذلك, بقيت المعارك فى النقابات بعد الثورة معارك سياسية بين أحزاب وتيارات وسط إطار سياسى أوسع للتنافس، وليست معارك نقابية حول المهن وقضاياها وهمومها، تذكر أن هذا الاستقطاب وهذا التنافس كان قائما فى عصر مبارك لأنه كان هناك انسداد فى الحياة الحزبية والسياسية، فتحولت النقابات إلى باب خلفى لممارسة السياسة فى وقت كانت السياسة فيه ممنوعة ومحظورة، أما وقد قامت الثورة، وتحررت الحياة الحزبية، فلم يعد هناك مبرر لبقاء هذا الوضع إلا أنه مازال يمثل دليلا على أن تغييرا جذريا لم يحدث كما قلت لك أكثر من صراع قوى تقليدية على ملء فراغ فى إطار ذات الثقافة وذات الآليات والأدوات.
نريد نقابات مهنية.. تعمل كنقابات مهنية ويكون النقاش والحوار فيها حول المهن وتطويرها ليس أكثر، ولا يكون الاستقطاب السياسى هو محور التنافس داخلها، وتكون المفاضلات داخلها مهنية وليست سياسية، أو فلنعترف جميعا أننا لم نغادر عصر مبارك بعد.