يحلو للإنسان أحيانا أن يهرب من قسوة التعبير عن ما يتعلق بعمره رغم قناعة داخلية تؤكد أنه يعرف جيدا أن لكل أهل كتاب الواقع أننى الآن لا أتحدث عن الموت بل عن الحياة.
عن تلك المرحلة الرمادية التى يبدأها الإنسان بعد سنوات التوهج فى أيام الشباب والحكمة فى سنوات ما بعد الأربعين إلى أن يدق أبواب متتالية بعد الخمسين. اعتدت ألا أسأل مريضى عن عمره مباشرة رغم أن هذا أول ما علمنا الأفاضل من معلمينا. لكنى دائما ما احتال حتى أعرف مستخدمه كل ما أملك من رغبة فى كسب ثقة مريضى لكى أحدد سنوات عمره. قناعتى الشخصية أن العمر تحدده مرحلة وليس سند محددة فالآن يرى شباب فى الستين من عمرهم يدركون جيدا أن التدخين أذى يجب تجنبه وأن الحركة مفتاح الدورة الدموية النشطة وأن أسلوب الحياة فيه الوقاية الحقيقية من أمراض العصر: ارتفاع ضغط الدم والسكر وأن الغذاء المتوازن هو عماد الطاقة لذا فإن العمر لا يخيفهم بل يجعلهم أكثر تمسكا بالحياة التى يبدأون فيها مرحلة اجتمعت لهم فيها حكمة السنين ومعرفة، يجب لتوقف عنده وما يجب إهماله تماما من مغريات الحياة واكتملت لهم فيها الرغبة فى الاهتمام بكل ما يتعلق بالحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية.
عزيزى القارىء هذا هو تعريفى الخاص لما يطلق عليه طب الشيخوخة Geritric Midicine. أسميه طب الخريف وأرى أنه أحد فروع الطب المستحدثة الذى يجب أن يبدأ الاهتامام به فى بلادنا بعد أن بلغ قدرا من علو الشأن فى برامج الصحة الخاصة فى بلاد تحترم حق مواطنيها فى الحياة والصحة. لم يعد معناه الحرفى هو الغالب فقد بدأ تحت عنوان «طب الرجل العجوز» وهو تعبير يونانى لكنه الان ينقسم إلى فروع مختلفة منها العلاجى ومنها الوقائى فيما يخص صحة النفس والجسد.
أعرف جيدا أن لدينا أطباء يمرسوم فعاليات هذا الفرع الهام من الطب فى بلادنا ولكنهم ندرة إذا ما قارنا عددهم بحاجتنا الفعلية.
كما أنتلك الخدمة الصحية الحديثة لا تمارس على الإطلاق فى مستشفيات الدولة العامة ل فى مراكز قليلة للغاية باهظة التكاليف للخاصة دون العامة. لذا أتمنى لو بدأنا الاهتمام بتدريس طب الخريلف فى كلياتنا ومعاهدنا الطبية بفاعلية تسمح بتخريج أطباء على علم به تدفعهم رغبة صادقة فى ممارسته كأى فروع الطب التى يقبلون على ممارستها.
أتمنى أيضا أن تبدأ عباراته فى الانتشار وأن يبدأ التعريف بها وبما تقدمه من خدمات عامة وخاصة.
الاهتمام بطب الخريف يرفع عن كاهل الدولة الكثير سواء فى ميزانيات العلاج أو مسئوليات أدبية تجاه مواطنيها فى مرحلة يصبح الإنسان فيها أحوج ما يكون لها.
أعرف جيدا أن تغيير الأسماء لا يغير المسميات، لكنه ــ على الأقل ــ مدخل إنسانى للنفس البشرية التى خلقها الله سبحانه على ما هى عليه من حب للمياه وأنه اجتمعت الأطباء فيها.