يلعب طب الأسرة دورا محوريا فى معظم دول العالم فى تقديم خدمة صحية مستمرة وشاملة لجميع المواطنين والمواطنات. وأظهرت الأبحاث أن المجتمعات التى حققت مستويات صحية أفضل هى تلك التى تعطى الأولوية لطب الأسرة ويتم تمويل الخدمات الصحية من خلال التأمين الصحى الحكومى.
تراجعت خدمات طب الأسرة فى مصر فى العقود الأخيرة، ومنذ عام 2005 أصبح القطاع الخاص المصدر الرئيسى للخدمات الصحية لأكثر من 60% من الشعب المصرى، مع إهمال أعداد كبيرة من الوحدات الصحية خاصة فى المناطق الأكثر احتياجا.
هناك الآن فرصة متاحة لبناء نظام صحى أفضل من خلال تنفيذ قانون التأمين الصحى الشامل الذى أقره البرلمان عام 2018، وتبنى طب الأسرة ليكون أساس النظام الجديد. ومع ذلك، هناك مشكلة فى توفير العدد الكافى من الأطباء المدربين تدريبا جيدا فى تخصص طب الأسرة لتغطية الاحتياجات الصحية لجميع المواطنين وعائلاتهم. ولتحقيق ذلك يجب التوسع فى البرامج التدريبية مع تحسين بيئة العمل والرواتب حتى تتفرغ الطبيبة أو الطبيب للعمل فقط فى النظام الجديد ولا يحتاج للعمل فى القطاع الخاص لتأمين احتياجاته المعيشية.
تشمل البرامج التدريبية فى طب الأسرة 18 شهرا فى وظائف تدريبية فى تخصصات مختلفة بمستشفيات معتمدة للتدريب، و18 شهرا فى عيادات طب الأسرة المعتمدة كمراكز تدريب مع التزام الأطباء بحضور جميع الأنشطة التعليمية خلال فترة التدريب. ويتم تقييم أدائهم بشكل مستمر من قبل مشرفى التدريب مع تقديم تقارير دورية عن أداء الأطباء للجهة المسئولة عن التدريب التخصصى فى طب الأسرة.
كانت هناك عدة طرق للتدريب المتخصص فى طب الأسرة فى مصر، ولكن مع إنشاء المجلس الصحى المصرى فى فبراير 2022، أصبح برنامج البورد المصرى هو المسار الوحيد لتدريب وتأهيل أطباء الأسرة، ولكن لم يحدد بعد نظام تجديد ترخيص ممارسة طب الأسرة من خلال إثبات ساعات حضور كافية فى الدورات التعليمية والمؤتمرات العلمية المعتمدة للتطوير المهنى المستمر.
قررت وزارة الصحة فى عام 2019 إرسال أطباء إلى إنجلترا للتدريب فى طب الأسرة لما تتمتع به من تميز فى هذا التخصص ولديها نظام تأمين صحى وطنى ناجح، وتم الاتفاق على بروتوكول لتدريب 300 طبيب وقعته وزيرة الصحة السابقة الدكتورة هالة زايد مع السفير البريطانى. سافرت الدفعة الأولى المكونة من 35 طبيبا إلى إنجلترا فى أبريل 2019 لفترة تدريب مدتها أسبوع ليتعرف خلالها الطبيب على منظومة التأمين بشكل عام ونظم الإحالة، فضلا عن التدريب على أساسيات طب الأسرة. وفى هذا الصدد يجب أن نستنكر قرار التدرب لمدة أسبوع واحد فقط. لأنه بكل المقاييس، لا يكفى إطلاقا لتحقيق أهداف التدريب.
كان من الممكن والأفضل والأقل تكلفة دعوة بعض أطباء الأسرة المصريين العاملين فى النظام الصحى البريطانى لمشاركة خبراتهم مع زملائهم المصريين بشكل منتظم، كثير منهم على استعداد لتقديم هذه الخدمات دون أى تكلفة على الحكومة المصرية، لكن هناك فشل فى التواصل مع الخبرات المصرية المميزة فى بريطانيا من وزارة الصحة ووزارة الهجرة والسفارة المصرية بلندن والاعتماد على جمعيات صورية لا تمثل جميع الأطباء المصريين فى المملكة المتحدة، وخاصة الأكاديميين والعاملين خارج العاصمة لندن. هذا الفشل له أسباب مختلفة.
فى الختام، يستطيع طب الأسرة أن يلبى نحو 80% من الاحتياجات الصحية الأساسية للمواطنين والمواطنات بتكلفة فعالة، وهناك العديد من الدراسات التى أكدت أن الإنفاق والاستثمار فى طب الأسرة هو الأجدى والأنجح أثرا. لذلك، نأمل فى إنشاء شبكة قوية من طب الأسرة فى جميع أنحاء الدولة من خلال مشروع التأمين الصحى الشامل مع تطبيق مبادئ الحوكمة الإكلينيكية لضمان إدارة ناجحة وتقديم أفضل الخدمات للمريض والمريضة. منذ نحو ثلاث سنوات شارك كاتب هذا المقال خبراته فى مجال الحوكمة الإكلينيكية مع المدير المسئول عن التأمين الصحى الشامل. للأسف توقف التواصل بعد ذلك ولا أدرى مصير ما تم تقديمه وهل تم نشر ثقافة الحوكمة الإكلينيكية فى جميع الوحدات الصحية ومستشفيات التأمين الصحى، أم تم إهمال هذا النظام المهم لضمان تقديم أفضل الخدمات للمريض والمريضة واكتشاف أى قصور مبكر للتخلص منها بشكل مستمر.
أستاذ الأشعة التشخيصية سابقا بجامعة شفيلد ــ إنجلترا