كثيرا ما يجد الآباء أنفسهم أمام تصرفات يقدم عليهم أطفالهم وهم لا يدركون لها أسبابا واضحة أو يرصدون فى ملابساتها أو تداعياتها ما يمكنهم من علاجها أو تقويمها. على سبيل المثال تحول الطفل من سلوك طبيعى يتسم بالنشاط والمرح والرغبة فى مشاركة أقرانه اللعب واللهو إلى سلوك آخر يدفعه للخمول والكسل وعدم التركيز والرغبة فى الانفراد بنفسه وعدم الاهتمام بما يدور حوله من مجريات الأمور والأحداث. ربما أيضا يفقد الرغبة فى ألوان يحبها من الطعام فيعرض عنها دونما سبب واضح أو يرفض الذهاب للمدرسة ويتصرف بعنف إذا ما أجبر على ذلك.
الأطفال تختلف ردود أفعالهم للمشكلات التى يواجهونها ومنها سوء معاملة الأهل لهم أو قسوتهم فى توجيههم أو التنمر عليهم من زملاء المدرسة أو النادى ربما أيضا التعرض للاعتداء الجنسى والإهمال والفقد.
من الأطفال من تظهر عليهم الأعراض بسهولة من حزن وغضب وبكاء وربما سلوك عنيف غير مبرر أما الأغلبية فلا يمكنهم التعبير بسهولة وهنا تبدأ مهمة الطبيب النفسى.
الصحة النفسية لدى الأطفال أحد الأهداف المهمة التى تسعى الأمم المتحضرة إلى استجلائها باستمرار والتأكيد على أهميتها سواء فى مجال الأسرة أو المدرسة، والعمل على دعم العاملين بمجالاتها وهذا بلا شك ما نتمنى أن يكون عليه الحال فى مجتمعنا المصرى.
كشفت دراسة نفسية هامة نشرت فى منتصف مارس الماضى فى مجلة متخصصة لشئون صحة النفس عن أهمية الرصد المبكر للأحداث المؤلمة فى حياة الأطفال للحفاظ على صحتهم النفسية والعمل على حمايتهم من المشكلات النفسية المترتبة عليها (Journal of Traumatic Stress) الدراسة تمت عن طريق إجراء مسح موسع لنوعية الصدمات التى تحدث فى حياة الأطفال للتعرف على من قد يتأثر بها وكيفية هذا التأثر الذى قد يسفر عن خلل عقلى ونفسى للمهيئين منهم لذلك.
مراجعة بيانات الأطفال النفسية ونوعية ما قدم لهم من دعم نفسى وعلاج طبى فى ولاية كينيكت الأمريكية على مر ثلاث سنوات قدمته الدراسة فى صورة توصيات يمكن استخدامها فى كل المجتمعات حتى إنها ترجمت الأسئلة التى وجهوها للأطفال وعائلاتهم إلى عدة لغات حتى يمكن استخدامها فى مجتمعات مختلفة.
أكد أصحاب الدراسة أن الفحص المبكر آلية وقائية يمكنها حماية الأطفال الذين يعانون فى صمت ولا يعبرون عن أنفسهم بسهولة وأن تقديم الدعم المستمر لهم من المختصين بالشأن النفسى ومحاولة تعديل السلوك وغيره من الخدمات النفسية بما فيها من رعاية عضوية لضحايا الاعتداء البدنى والجنسى أمر بالغ الأهمية عظيم الفائدة.
أوصت الدراسة بضرورة إقامة دورات تدريبية للبالغين الذى يتعاملون مع الأطفال كمعلمى المدارس ومدربى النوادى والإخصائيين الاجتماعيين يتم فيها تدريس الطرق المختلفة للتعامل مع مشكلات الأطفال النفسية خاصة ما يتعلق بكرب ما بعد الصدمة الذى يجب الاهتمام به بصفة خاصة فلا يعامل على أنه حالة نفسية طارئة بل يجب أن يدرس جيدا وتتم متابعة الطفل لفترة طويلة بعده.
ولأن معظم النار من مستصغر الشرر فإنه فى رأى العقلاء من المهتمين بتنشئة الأطفال أن الصحة النفسية للطفل لا تقل أهمية على الإطلاق من صحته الجسدية. وللحديث إن شاء الله بقية...