وقف حرب غزة وما بعدها - نبيل فهمي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقف حرب غزة وما بعدها

نشر فى : الإثنين 10 يونيو 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يونيو 2024 - 7:30 م

تتسلط الأضواء بالنسبة لغزة الآن على الأفكار التى أعلنها الرئيس الأمريكى جو بايدن، حول اتفاق ثلاثى المراحل للإفراج عن الرهائن والمحتجزين، ووقف إطلاق النار وإدخال الاحتياجات الإنسانية، وتمكين المهجرين قسريا داخل القطاع من العودة مرة أخرى إلى أحيائهم، إلى أن يتم إعادة بناء البنية التحتية الإنسانية وتوفير السكن والمعيشة بعد أشهر عديدة من المعاناة.
ولقد تجاوزنا مرحلة المماطلة واستمرار الأمر الواقع والسكوت على الوضع الراهن، وأصبحنا فى لحظة اتخاذ القرارات، بعضها استراتيجى والبعض الآخر تكتيكى وبغرض المناورة، لذا لن أتفاجأ بصدور إعلان بعدم توصل الأطراف الى اتفاق وتحميل الأطراف الأخرى المسئولية، أو إعلانهم عكس ذلك بموافقتهم على الاتفاق ولكن على أن يكون مرهونا مشروطا بتفسيرات مختلفة.
وهناك ضغوط دولية وإقليمية ووطنية متعددة وشديدة للخروج من عنق الزجاجة الذى وصلت إليه المفاوضات، إزاء رفض الممارسات غير الإنسانية والقلق الحقيقى من أن تتصاعد الأمور فى الجوار الفلسطينى، بجنوب القطاع نحو مصر، وامتدادا للبنان وغير ذلك إقليميا، وتضغط الولايات المتحدة بشكل خاص مع اقتراب المراحل الحاسمة من الانتخابات الرئاسية، والتى قد تحسم بالنسبة لبايدن حسب مواقف الأمريكيين الذين لا يؤيدون مواقفه، بعضهم لتوتر علاقته مع نتنياهو وإسرائيل من جانب، أو ممن يرون أن دعمه لإسرائيل يسمح لها بتجاوز كل الحدود القانونية والإنسانية التى تفرض احترام بعض الاعتبارات الإنسانية.
واعتقد أن إسرائيل وحماس لا يمانعان فى التوصل إلى اتفاق لاعتبارات مختلفة، أهمها الضغوط الداخلية للإفراج عن الرهائن بالنسبة لرئيس وزراء إسرائيل، والرغبة فى كبح جماح التيار الليبرالى الغربى والدولى الرافض لممارساتها، والمطالبة بمحاسبتها ومسئوليها، وتنامى التأييد الدولى نحو الجانب الفلسطينى.
وهناك دوافع عدة تجعل حماس تتجاوب مع فكرة التوصل إلى اتفاق، منها التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق بعد الضغط العسكرى الإسرائيلى المكثف، وتخفيف معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال فى القطاع، والاستفادة من جلب ثمار الغضب الدولى من الممارسات الإسرائيلية فى القطاع، مما يدعم من مركز حماس بين الفلسطينيين .
وأتجنب دائما وضع دولة الاحتلال وأى تيار سياسى فلسطينى مهما كانت توجهاته على مرتبة واحدة، لأن الاحتلال هو الخطيئة الكبرى وأساس المشكلة والنزاع، وهو ما أريد تأكيده هنا مرة أخرى بكل صراحة ووضوح.
وبصرف النظر عن المناورات و المواءمات السياسية يصعب تصور التزام الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أى حكومة يرأسها نتنياهو باتفاق ينهى النزاع فى غزة، حيث يتبع ذلك مباشرة مرحلة تقييم ومحاسبة ومراجعة سياسية وقضائية، تفرض تغيرات فى الشخصيات والمواقف والسياسات والأيديولوجيات.
واستبعد كذلك التزام قيادات حماس نصا وروحا ببنود اتفاق يشمل شروطا ومطالبات أمريكية وإسرائيلية، تقضى على نفوذها وتواجدها فى قطاع غزة والساحة الفلسطينية كاملة، خاصة مع غياب توافق فلسطينى فلسطينى يوفر لها دورا سياسيا آخر، ومع الموقف الإسرائيلى المعلن أنها تتعقب حماس وتقتل قياداتها داخل وخارج الأراضى الفلسطينية.
لذا إذا تمت الموافقة على اتفاق فإن ذلك سيعكس أن إسرائيل وحماس تركزان فى هذه المرحلة على تحسين صورتهما دوليا وإقليميا ووطنيا، بتحميل الطرف الآخر مسئولية رفض الاقتراحات التى أشار إليها الرئيس الأمريكى، وهو ما دفع إسرائيل إلى التأكيد على مواقف من الصعب على حماس قبولها، منها أن الحرب ستستمر حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق، وأن الاقتراح الجديد لا يتضمن نصا بانتهاء الحرب فى أى مرحلة من مراحله، وفى مقابل ذلك تكرر حماس أنها لن تقبل أى اتفاق لا يتضمن إنهاء الحرب فى غزة كلية وهو ما ترفضه إسرائيل.
فى ضوء كل هذه الاعتبارات والمتناقضات أعتقد أننا أمام مفترق طرق، وعلى أبواب اتفاق لا تمانعه الأطراف الرئيسية المعنية وإنما لا تحبذه، ومن ثم يستبعد التزامها به جديا وجوهريا خاصة من جانب إسرائيل، وبين تصعيد كبير فى قطاع غزة ومن حولها فى جوار القطاع ولبنان.
ومع هذا مازلت مؤيدا لمواصلة الجهد بدفع الأطراف نحو التوصل إلى اتفاق، باعتباره السبيل الوحيدة لوقف القتل المبرح للشعب الفلسطينى المناضل المكافح البطل، ومحاولة لرفع معاناته الإنسانية، مع العمل على أن يكون الاتفاق شاملا وتفصيليا ودقيقا، أو تتخذ خطوات إضافية سريعة لاستكماله.
ولن أعلق اليوم على مضمون ما نشر عن تصريحات الرئيس الأمريكى حول بنود الاتفاق المقترح أو عناصره، لأن النصوص المكتملة الأصلية لم تكن متوافرة لى عند صياغة هذه السطور، وقد علمتنى مسيرة امتدّت ما يقرب من خمسة عقود من العمل السياسى والدبلوماسى عدم الاعتماد فى التحليل على ما يصرح به أو ينشر.
وأكتفى هنا بالتنويه بأن أى اتفاق يتم التوصل إليه من الجهود الحالية أو المستقبلية يجب أن يشمل وقف إطلاق نار كامل ونهائى وتبادل الأسرى والمحتجزين، وتوفير الاحتياجات الإنسانية وإعادة البناء، والأمن والأمان للفلسطينيين وترتيبات أمنية على الحدود، مع الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، ووضع كل ذلك فى سياق سياسى يصل بنا إلى حل الدولتين فلسطين وإسرائيل.
ولذلك فى حالة التوصل إلى اتفاق أو حتى الإخفاق فى ذلك، أقترح إصدار قرار من مجلس الأمن الدولى يشمل التحرك على ثلاثة محاور:
أولا: تبادل تدريجى للمخطوفين والمحتجزين ووقف إطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية، مع تشكيل قوة دولية لتوفير الأمن والمراقبة داخل القطاع وعلى الحدود، وتكثيف المساعدات الغذائية والإنسانية.
ثانيا: وضع الدولة الفلسطينية على أساس حدود ١٩٦٧وعاصمتها القدس الشرقية تحت جهاز الوصاية التابع للأمم المتحدة لمدة عامين، مع عدم المساس بالاعترافات التى حصلت عليها فلسطين دوليا ومسئوليات السلطة وفقا للاتفاقات السابقة مع إسرائيل.
ثالثا: بدء عملية تفاوضية لمدة عامين نابعة عن مجلس الأمن الدولى وتحت رعايتها، للتوصل إلى حل على أساس دولتين وفقا لحدود١٩٦٧ والقدس عاصمة للدولتين مع تقديم السكرتير العام والدول الخمس تقارير دورية عن سير المفاوضات.
وبهذه الخطوات نكون قد سجلنا وكملنا على أى اتفاق يتم التوصل إليه، أو وفرنا إطارا جديدا للتعامل مع حرب غزة وما بعدها إذا تعثرت الجهود الجارية الآن.

نبيل فهمى
وزير خارجية مصر السابق

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات