انتفض عدد كبير من القضاة، خوفا على العدالة، البعض اعتبر الغضب الشعبى من البراءات التى صدرت جملة لعدد من رموز نظام مبارك وفى توقيت واحد، يمكن أن يكون ضغطا على القضاء، وبعضهم وقف مدافعا، ومؤكدا أن القضاء لن يرضخ أمام رغبة الشارع المحمومة فى القصاص على حساب العدالة.
والحقيقة أنه لا أنا ولا أنت ولا أولئك الثائرين فى ميدان التحرير، نرغب فى إدانة مظلوم، أو ندعو لانتهاك قواعد العدالة، دعك مما استقر من إدانة فى ضمير كل منا لكثير من هذه الرموز، وهى إدانات بالإفساد السياسى، لا تحتاج أحكاما قضائية من تلك التى يقولون إنها «عنوان الحقيقة».
لن أحيلك إلى تصريحات رموز قضائية مثل البسطويسى وزكريا عبدالعزيز والخضيرى وغيرهم كانوا أول من اتهم بعض القضاة بالفساد ومحاباة الدولة والخروج على قواعد العدالة، لكننى سأسأل أولئك الغاضبين والرافضين للرضوخ إلى الشارع، وعلى رأسهم القاضى الجليل السيد عبدالعزيز عمر رئيس محكمة الاستئناف، وهو بالمصادفة كان رئيس اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية الأخيرة، التى دافع عن نزاهتها فيما كانت هذه الانتخابات أهم أسباب الغضب التى فجرت الثورة فيما بعد.
أسأله إذن وأسأل من معه، أى عدالة تسمح لمتهم أن يبقى بعيدا عن الحبس دون أسباب واضحة، مثل حالة الرئيس السابق، وتسمح باستثنائه من كل قوانين السجون والتمييز بينه وبين آلاف السجناء من مرضى الكبد والسكر والسرطان الذين يقبعون فى زنازينهم؟
أى عدالة تسمح بالاستمرار فى توزيع القضايا على الدوائر بالتوجيه المباشر، واختيار قضاة بعينهم لقضايا بعينها، رغم أن هذا الإجراء ظل أحد الإجراءات المنتقدة والمهددة لاستقلال القضاء.
أى عدالة تسمح بمحاكمة المدنيين أمام قضاء عسكرى، فيما يتم التشبث بمحاكمة الفاسدين أمام قاضيهم الطبيعى، وأى وهم حين يخرج قضاة ليؤكدوا أن القضاء العسكرى تتوافر فيه كل الضمانات عندما يتعرض للثوار والمدنيين، لكنهم حين يتعلق الأمر بمحاكمة مبارك ورجاله، يشددون على أن المعايير الدولية لن تعترف بأى قضاء استثنائى، أى عدالة فى القبول بالقضاء الاستثنائى لمن «ثار وغضب» ورفضه لمن «قتل ونهب».
أى عدالة فى ترك المتهمين من جهاز الشرطة فى مناصبهم رغم أنهم رهن تحقيق مهم وخطير، وعدم تجميدهم وظيفيا أو حبسهم احتياطيا، مقارنة بما يمتلكون من نفوذ قد يؤثر فى مسار القضايا وأدلتها وشهودها.
أى عدالة فى صدور الأحكام والإحالات فى مواعيد تسبق المليونيات بساعات، وكأن الأمر بأيديكم، وأى عدالة فى تأخر تحقيقات أخرى وكأنها مسلسلات تركية بينما هناك قضايا «كقضية محاميى طنطا» انتهى التحقيق فيها والإحالة والحكم فى أسبوع واحد.
أعزائى القضاة الأفاضل الأجلاء: أنتم الذين وضعتم أنفسكم فى دائرة الشبهة، وصدرتم للرأى العام إحساسا قد يكون غير صحيح بأن بعضكم يفعلون ما يؤمرون، لكن الشواهد والشبهات كثيرة، لهذا قد يكون البعض ظن أن إرضاء الشارع أهم من إرضاء السلطة طالما أن العدالة غائبة فى الحالتين..!