أسافر منذ كنت فى الرابعة من عمرى، ونزلت بفنادق متنوعة الدرجات. أظن أن بعضها لم يكن يرق إلى مستوى تصنيف النجوم أو لعله كان موجودا قبل الأخذ بنظام التصنيف، بعض آخر من غرف الفنادق التى نزلت فيها كانت مخصصة لملوك ورؤساء دول كما أتيحت لى أكثر من مرة فرصة الإقامة فى أجنحة لا ينزل فيها إلا الرؤساء وكبار الأغنياء. قد أنسى أسماء فنادق فاخرة نزلت فيها ولكننى لم أنس فنادق و بنسيونات فى الإسكندرية أقمت فيها وأنا لم أبلغ العشرين من عمرى. أغلبها كانت تديره عائلات يونانية وإيطالية وكنت أجد فيها عناية شخصية لم أحظ بمثلها بعد ذلك فى أرقى فنادق الخليج وأوروبا.
نزلت فى فنادق فى مصر ودول أخرى خلفت ذكريات مؤلمة مازالت عالقة فى الذهن لا تغادر. أذكر هذا الفندق البسيط فى الكويت الذى نزلت فيه لليلة واحدة فى شهر حر قائظ ورطوبة خانقة وتيار كهربائى متقطع. أذكر أيضا الفندق التعيس فى مدينة مومباى الذى قضيت ليلتى فيه جالسا فوق مائدة تحت مروحة سقف مصابة بعطل تدور طول الليل، وتصدر ضجة منكرة. وفندق آخر فى بانجكوك تسربت من زجاج نافذة مكسورة فى الغرفة المتواضعة التى أقمت فيها جحافل من بعوض متوحش أولمت ليلتها على دماء مصرية غزيرة. وإن نسيت، فلن أنسى الفندق ذى الغرف العشر فى مورونى عاصمة جزر القمر، حيث كان يرافقنى فى غرفتى جهاز تكييف يصدر صوتا كصوت محرك طائرة قديمة متهالكة، وحيث كان يرافقنى فى قاعة الطعام سبعة جرسونات خلال ثلاث وجبات لمدة ثلاثة أيام. وبالمناسبة كانت الوجبة تتألف من طبق واحد لا غير لم يتغير طوال فترة الإقامة.
●●●
ساقتنى الظروف والرغبة والفضول وكرم أقارب للنزول فى فندق عظيم فى مدينة لاس فيجاس. كانت المرة الأولى التى أشاهد بعينى رأسى تليفزيون تنفتح له أرضية الغرفة ليصعد، وأمارس بأصابعى لعبة الريموت كونترول الذى يحرك أثاثات الغرفة ويغير ألوان الإضاءة ويعد الجاكوزى للاستعمال، ويختار الموسيقى التى تناسب النشاط الذى يختار النزيل ممارسته. ساقتنى ظروف أخرى ومهام وظيفية إلى المبيت فى غرفة نزل فيها قبل وصولى رئيس جمهورية. أذكر أننى دخلت الغرفة ولم يكن خدم الطابق قد بدأوا بعد تنظيفها وترتيبها. أقبل مدير الفندق على الفور مكررا الاعتذار. لم يدرك الرجل قدر سعادتى بالفرصة التى تسمح لى أن أقضى بعض الوقت فى جناح تركه النزيل للتو، وهو فى هذه الحالة رئيس دولة. دخلت الجناح بعد دقائق من مغادرة الرئيس فرأيته على الحال الذى كان عليه عندما كان الرئيس موجودا فيه. دخلت غرف النوم والمطبخ والحمام وجلست فى الصالون وغرفة المكتب. رأيت ما رأيت وانطبعت فى الذهن انطباعات لم تختف ومعلومات نادرة لا تنسى رغم مرور أكثر من ربع قرن.
●●●
حرضنى على كتابة هذه السطور مقال نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية عن دراسة قامت بها جامعة هيوستون بالولايات المتحدة. اختار الباحثون عينات من فنادق فى إندونيسيا وولاية كارولينا الجنوبية وولاية تكساس فى الولايات المتحدة لعقد مقارنة عن نظافة الفنادق. تعمد الباحثون أن يكون بين الفنادق فنادق ممتازة وفنادق متوسطة المكانة.
أكدت مخاوفى النتائج التى توصلت إليها الدراسة. كنت أعرف أن الغرف فى الفنادق الحديثة كالطائرات والبواخر النهرية والأتوبيسات المكيفة، جميعها ملوثة بالفيروسات والميكروبات والبكتريا فالهواء فى أغلبها لا يتغير. كنت دائما أسأل نفسى فى اللحظة التى يفتح لى خادم الفندق باب الغرفة ويدعونى للدخول قبله، يا ترى من كان آخر من أقام فيها، وما الأمراض التى حملها وما الميكروبات التى تركها وأين؟ لم أكن يوما مهووسا بالخوف من العدوى ولكنى التزمت، مثل كثيرين من أبناء جيلى، بوعد لأمهاتنا قطعناه على أنفسنا ألا نستحم يوما فى فندق، فاخرا كان أم متواضعا، راقدين أو قاعدين فى البانيو.
يقول الباحثون الذين أجروا الدراسة أنهم أخضعوا تسع عشرة «قطعة» من محتويات غرف الفنادق محل البحث للتحليل المعملى. فاجأتهم نتائج التحليل وبخاصة حين اتضح أن الريموت كونترول الذى يستخدمه النزيل لتشغيل التليفزيون والزر الموجود عند قاعدة الأباجورة الملاصقة للفراش هما القطعتان الأشد تلوثا بالميكروبات والبكتيريا. وجدوا أيضا ظهر الفراش ومقبض باب الحمام الأقل تلوثا بين محتويات الغرف. أما الحمام نفسه فكان من الأماكن شديدة التلوث بالرغم من تأكيدات إدارة الفندق أنها تقوم بتطهيره فور خروج النزيل.
●●●
أستطيع الآن تفسير ظاهرة عودة كثير من أصدقائى وأقاربى من السفر مصابين بنزلات برد حادة وأوجاع معوية.