العصر الذهبى للفضول - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العصر الذهبى للفضول

نشر فى : الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 8:54 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 8:54 ص
أشعر بحرج شديد فى كل مرة أقابل شخصا أذكر شكله وأنسى اسمه، ويزداد الحرج عندما أكلف نفسى أو يكلفنى أحد بمهمة تقديم أشخاص كل إلى الآخر. كنت، فى زمن ليس ببعيد، أتباهى بذاكرة فى الأسماء والوجوه والمناظر الطبيعية لا تنافسها ذاكرة أخرى فى الدوائر التى أدور داخلها أو أتنقل بينها.

الآن أتفادى تقديم صديق إلى آخر وأحيانا أتعمد عدم الإشارة إلى الناس بأسمائهم فى الاجتماعات واللقاءات التى كثيرا ما أحضرها مجبرا وأحيانا مخيرا.

●●●

وصلتنى بشرى فحواها أن الأجيال المقبلة لن تعانى هذا النوع من الحرج. فالفرد فى المستقبل لن يحتاج لأكثر من ثوان معدودة ليعرف اسم الشخص الجالس أمامه أو أى شخص يفرض الظرف أو المناسبة تقديمه إلى شخص آخر. تنقل البشرى خبرا عن جهود خارقة تبذل فى البرازيل ضمن الاستعدادات الجارية لاستضافة كأس العالم. بعض هذه الجهود أثمر اختراع نظارة تختفى داخل إطارها كاميرات تصوير رقمية بالغة الصغر والدقة، ليستخدمها رجال الشرطة المكلفين بمراقبة الحشود التى سوف تكتظ بها الملاعب والميادين والشوارع المحيطة بها. تقوم النظارة بناء على لمسة أو همسة بتصوير مجموعات فى هذه الحشود وإرسالها على الفور عن طريق الإنترنت إلى معامل إلكترونية فى وزارة الداخلية، حيث تنتظرها أجهزة متقدمة تتولى فرز الصور الواردة من الملاعب ومطابقتها بالصور الموجودة على شبكة الإنترنت، مثل الصور المرافقة لمواقع الفيسبوك والتويتر والرسائل الإلكترونية وعشرات غيرها.

خلال ثوان تكون كل صورة قد وقع التعريف بصاحبها أو صاحبتها وظهر التعريف على شاشة الكمبيوتر المثبت فى سيارة الشرطة أو فى جهاز المحمول أو غيره من وسائل الاتصال الإلكترونى. بمعنى آخر، سيتعرف رجل الشرطة على اسم المتظاهر والمعتصم والمتفرج والمتسكع وسيعرف جميع المعلومات الخاصة المتعلقة به ومنها انشطته السياسية ومعتقداته الأيديولوجية وميوله العاطفية، كله فى ثوان معدودة.

معناه أيضا أنه سيجرى التعرف على المشتبه فى ارتكابهم جرائم أو حوادث ربما قبل أن تتاح لهم فرص ارتكاب جرائمهم أو تغيير ملامحهم بعد ارتكابها. لن تكون الشرطة فى حاجة لتوقيف أشخاص متعددين للتثبت من شخصية شخص معين وخلفياته، فالصورة وحدها المنقولة عبر الإنترنت والتى تصل فى أقل من دقيقة ستكون كافية للتعريف شكلا ومضمونا وتاريخا بالشخص محل الاشتباه.

●●●

يعتقد الباحثون فى جامعة كارنيجى ميللون وآخرون فى بيتسبرج ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة، أنهم على وشك أن يتوصلوا إلى صنع برنامج بفضله يستطيع الفرد العادى، مثلى ومثلك، استخدامه للتعرف فى أى لحظة على شخص ظهرت صورته فجأة على شاشة تليفزيون أو التقطها هاتفه المحمول فى شارع أو مسرح أو مكان عام.

مما يعنى مثلا أن أى زعيم سياسى يستطيع أن يرد على أى مواطن يقف فى ميدان عام وسط مئات الألوف من الأفراد، مستخدما اسمه وزاعما أنه يعرفه جيدا ويعرف تفاصيل ماضيه وحاضره. لن يحتاج أى فرد منا إلى تقارير ضافية تسبق وصول وفد محلى أو أجنبى لإجراء مفاوضات على جانب أو آخر من الخطورة. سوف أعرف بالدقة نقاط القوة والضعف لدى المفاوض الجالس أمامى على مائدة المفاوضات فى اللحظة التى أضع فيها نظارة القراءة وأصدر لها التكليف اللازم.

●●●

كالعادة، مع كل اختراع جديد، خرج علينا هذه المرة من يحذرنا من أن هذا الاختراع يمكن أن يستخدمه الأشرار أسوأ استخدام ويستخدمه أهل الخير أفضل استخدام. أنا نفسى، أستطيع الآن أن أتصور سعادتى البالغة وقد تخلصت بفضل هذ الاختراع من حرج نسيان أسماء بعض الذين أعرفهم.

أستطيع فى الوقت نفسه، أن أتصور بهلع شديد خطورة هذا الاختراع على خصوصياتى التى سوف أخشى من انتهاكها فى كل مرة أقابل شخصا يرتدى نظارة.
جميل مطر كاتب ومحلل سياسي