يمكن بسهولة بالغة توجيه سيل من الانتقادات إلى دونالد ترامب، رجل الأعمال اليمينى الباحث عن الحصول على تزكية/بطاقة الحزب الجمهورى للترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016. فهو يتباهى بنزوعه العنصرى إزاء الأمريكيين من غير ذوى الأصول الأوروبية، وإزاء الأجانب المقيمين فى الولايات المتحدة. ويطلق فى الآونة الأخيرة تصريحات عدائية ضد المسلمين من المواطنين الأمريكيين، ومن الأجانب المقيمين. ويتصدر مشهد الإعلام اليمينى الذى ينتج خطاب كراهية، ومقولات إقصاء، وتحريض على التمييز ضد المسلمين.
ولا تحمل المواقف التى أعلنها ترامب بشأن القضايا الاقتصادية والاجتماعية فى الولايات المتحدة وبشأن قضايا السياسة العالمية سوى تهديدات لمن يصنفهم هو كضعفاء أو مجرمين: فالطرد من الأرض الأمريكية سيكون من نصيب المهاجرين غير الشرعيين الذين قدموا من أمريكا الوسطى والجنوبية. ومنظومة الرعاية الصحية التى أقرها أوباما منذ سنوات قليلة ويستفيد منها الفقراء ومحدودو الدخل ستفرغ من مضمونها. ومن ينتظرون دعما حكوميا يعينهم على أعباء الحياة وعلى تحمل قسوة ظروف البطالة، لن يصبح أمامهم سوى البحث الفورى عن عمل والتوقف عن الاعتياش على أموال دافعى الضرائب. وقوى كروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبى لن تتمكن من مواصلة جرائمها ضد الاقتصاد الأمريكى. والمسلمون الإرهابيون فى الشرق الأوسط سيجدون رئيسا أمريكيا يضربهم بكل قوة وحسم، بعد أن تغاضى عن خطرهم الرئيس الحالى. والمسلمون من المواطنين والأجانب المقيمين والأجانب القادمين للسياحة سيمنعون جميعا من دخول الولايات المتحدة، فالأمريكيون ضدهم وضمان الأمن يقتضى إبعادهم.
هذه هى كلمات ومواقف ترامب التى يسهل إظهار عنصريتها، كما يسهل التدليل على تهافتها ومخالفتها للقواعد الدستورية والقانونية التى تضمن المساواة بين المواطنين، وتحمى حقوق الإنسان والحريات للمواطنين وللأجانب. ويفعل ذلك، ومنذ أن صعد نجم ترامب كمتنافس جمهورى يتصدر جميع استطلاعات الرأى ويستمر ارتفاع معدلات التأييد الشعبى لترشحه على بطاقة الحزب الجمهورى، الكثير والكثير من السياسيين والإعلاميين والكتاب والمبدعين والفنانين الذين يمقتون كلمات ومواقف ترامب. ويزيد من المقت ذكورية ترامب فى التعامل مع المرأة وحضورها فى المجال العام، وتورطه فى التمييز ضد النساء والتعامل معهن إن كإعلاميات أو مرشحات تتنافسن على بطاقة الترشح للانتخابات الرئاسية باستعلاء بالغ.
على الرغم من كل ذلك، مازال ترامب يتقدم، ومازالت قطاعات من الناس «تستمتع» بما يسمونه «حديث ترامب الصريح». ووراء ذلك عدة أسباب مهمة:
1. يأس بعض الأمريكيين من المسئولين التنفيذيين والمشرعين الذين يديرون واشنطن، ورغبتهم فى أن يدفعوا ببديل من خارج سياقات الحياة السياسية التقليدية إلى المنصب الأهم، رئاسة الجمهورية.
2. تواضع الأداء السياسى والإعلامى للكثير من منافسى ترامب على بطاقة الحزب الجمهورى.
3. نجاح ترامب فى توظيف كلماته العنصرية ومواقفه المتناقضة مع القواعد الدستورية والقانونية لفرض وضعية الصدمة على الرأى العام، ومن ثم البقاء لأطول فترة زمنية ممكنة فى قلب الاهتمام الإعلامى ــ بل إن تصريحات ترامب الأخيرة عن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة استدعت ردا مباشرا من الرئيس الحالى، ومن جميع المتنافسين على بطاقتى ترشح الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، ومن عدد كبير من الشخصيات العامة والإعلاميين.
4. قدرة ترامب على استغلال مشاعر الخوف عند بعض الأمريكيين، والتلاعب بهم من خلال خطاب الكراهية ضد المسلمين، ومن ثم دفعهم إلى تأييده وتأييد طرحه العنصرى.
سيتواصل سيل الانتقادات الموجه إلى ترامب، غير أن وجوده فى المشهد السياسى والانتخابى الأمريكى سيتواصل أيضا.