زلزال الأسبوع الماضى زلزل قلوبنا من مشاهدة مآسى الناس فى سوريا وتركيا خاصة فى سوريا المنقسمة على ذاتها والمتشرذمة ما بين المناطق الموالية لنظام بشار الأسد ومناطق المعارضة له، ما بين الدواعشية والأكراد وكلها مناطق مدمرة أصلا جراء المعارك والحرب الأهلية ويعيشون مآسى قضى الزلزال عليهم تماما، لذا المواقف الإنسانية يجب أن تكون إنسانية بحتة والموقف الأخلاقى ألا يتسيس العمل الإنسانى ولا يتأثر بالمواقف السياسية فأمام الموت والخراب والإصابات يتلجّم اللسان وينبض القلب بالرحمة. ورغم الاستغاثات من مؤسسات عالمية كثيرة إلا أن سوريا تنال إهمالا وانتهازية من قبل بعض الدول الغربية.
هذا الزلزال العنيف الذى ضرب بشدة جنوب تركيا وشمال سوريا وتسبب فى مصرع وإصابة عشرات الألوف وتدمير المنازل والبنية التحتية مثل شبكات الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء والصرف الصحى فهو يُعد من أكثر الزلازل فتكا منذ أربعينيات القرن الماضى وربما ساعد على ارتفاع عدد الضحايا أن الزلزال وقع فى الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الماضى بينما كان الناس نائمين!
لقد كان مشهدا إنسانيا رهيبا عشناه ونحن نشاهد بعض جوانب المأساة التى ألمت بأشقاء لنا فى سوريا وتركيا ورأينا بطولة فرق الإنقاذ وهم بإمكانيات محدودة جدا يصارعون الأمطار الغزيرة والثلوج المتساقطة ويسابقون الزمن من أجل العثور على ناجين تحت الأنقاض وكان مشهد إخراج أطفال أحياء مشهدا رهيبا.
فى الأوقات الصعبة، يبرز الدور المصرى الإنسانى دائما. كانت مصر حريصة على توجيه «رسالة تضامن» قوية، وبشكل فورى، مع الشعوب الأكثر تضررا، وأيضا لتقديم واجب العزاء والمواساة فى الضحايا الذين سقطوا نتيجة لذلك.
فالرئيس عبدالفتاح السيسى وجه خالص التعازى للشعبين السورى والتركى، ولأسر ضحايا الزلزال المدمر الذى ضرب شرق المتوسط أخيرا، وكانت سوريا وتركيا أكثر المتضررين منه وكذلك وزير الخارجية سامح شكرى الذى اتصل بكل من وزير خارجية تركيا ووزير خارجية سوريا للتعزية والمساندة.
كل هذه التحركات والاتصالات، والتى تمت بصورة عاجلة وفورية عقب وقوع الزلزال المروع تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر هى دولة المواقف الإنسانية مهما كان الخلاف السياسى فعلا وقولا وفى مختلف الأوقات بغض النظر عن أى اعتبارات، فروابط الأخوة والإنسانية أقوى من أى شىء آخر. وهكذا اعتادت مصر دائما.
لقد هزتنا بعنف تلك الدراما الإنسانية التى رصدتها كاميرات الفضائيات لحالة الذعر والهلع التى انتابت سكان تلك المناطق المنكوبة والذين فروا من مساكنهم ويرفضون العودة إليها مرة أخرى خشية التوابع والهزات الارتدادية المحتملة.
وإذا كان الضمير الإنسانى قد استيقظ مع الكارثة بنداءات رسمية وشعبية فى عدد كبير من دول العالم تدعو إلى مساعدة سوريا وتركيا فى مواجهة الكارثة فإن الأحرى بالمجتمع الدولى أن يعيد النظر فى المسألة السورية خاصة أن هناك دولا تتباطأ للمساعدة بذرائع سياسية، لذا ندعو أن تتسارع الخطوات والإجراءات لرفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا حتى تتمكن دمشق من مد يد العون والمساعدة للمناطق المنكوبة بعد أن أظهرت الكاميرات ضعفا هائلا فى البنية الأساسية ونقصا مؤسفا فى آليات رفع الأنقاض من فوق المنكوبين المدفونين أسفلها. كارثة الكوارث هى العجز عن الاستفادة من دروسها عند احتياج من هم فى الشدة والمآسى ولتترك السياسة جانبا بصراعاتها والتواءتها واصطياد المواقف، فالمأساة أكبر من أى مصالح أو انتهازية سياسية.